للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكالفرارِ من الزحفِ، وأكلِ مالِ اليتيمِ، وأكلِ الربا، وعقوقِ الوالدينِ، واليمينِ الغَموسِ، وشهادةِ الزورِ؛ فإن هذه الذنوبَ وأمثالَها فيها وعيدٌ خاصٌّ، وكذلك كلُّ ذنبٍ تُوُعِّدَ صاحبُه بأنه لا يدخلُ الجنةَ، أو لا يشَمُّ رائحتَها، أو قيلَ فيه: مَن فعَلَه فليس منَّا؛ فكلها من الكبائر؛ كقوله: «من غشنا فليس منا» (١)؛ لأنه ليس المرادُ ما تقولُه المرجئةُ: (إنه ليس من خيارِنا)، ولا ما يقولُه الخوارجُ: (إنه صار كافرًا)، ولا ما يقولُه المعتزلةُ: (من أنه لم يبقَ معَه من الإيمانِ شيءٌ).

ولكن المراد: أنَّ المؤمنَ المُطلَقَ في بابِ الوعدِ والوعيدِ؛ هو المستحقُّ لدخولِ الجنةِ بلا عقابٍ، فهو المؤدي للفرائضِ، المجتنِبُ المحارم، وهؤلاءِ هم المؤمنونَ عندَ الإطلاقِ، فمن فعَل هذه الكبائرَ؛ لم يكُنْ من هؤلاءِ المؤمنينَ المطلَقين؛ إذ هو متعرِّضٌ للعقوبةِ على تلك الكبيرةِ، فنفيُ الإيمانِ أو الجنةِ، أو كونِه من المؤمنينَ؛ لا يكونُ إلا عن كبيرةٍ، فأما الصغائرُ فلا تنفي هذا الاسمَ والحكْمَ عن صاحبِها بمجرَّدِها، فيُعرَفُ أن النَّفْيَ لا يكونُ لتركِ مستحَبٍّ، ولا لفعلِ صغيرةٍ؛ بل لتركِ واجبٍ.

والدليلُ على أن هذا الضابطَ أَوْلى من غيرِه وجوهٌ:

أحدُها: أنه مأثورٌ عن السَّلَفِ.

الثاني: أنه تعالى قال: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر


(١) رواه مسلم (١٠١)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>