للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتَنازَعوا: أيُّما أشدُّ؟ فقال مالكٌ وغيرُه: الشِّطْرَنجُ شرٌّ من النَّرْدِ، وقال أحمدُ وغيرُه: الشِّطْرَنجُ أخفُّ من النَّرْدِ، ولهذا توقَّفَ الشافعيُّ في الشِّطْرَنجِ إذا خلَتْ عن المحرماتِ؛ إذ سببُ الشبهةِ في ذلك: أن أكثرَ من يلعبُ فيها بعوضٍ، بخلافِ الشِّطْرنجِ، فإنها تُلعَبُ بغيرِ عوضٍ غالبًا، وظن بعضُهم أن الشِّطْرَنجَ يعينُ على القتالِ.

والتحقيقُ: أن النَّرْدَ والشِّطْرَنجَ إذا لُعِب بهما بعوضٍ؛ فالشَّطَرَنجُ شرٌّ منها؛ لأن الشَّطَرنجَ حينئذٍ حرامٌ إجماعًا، وكذلك يحرُمُ إجماعًا إذا اشتملت على محرمٍ؛ من كذبٍ، ويمينٍ فاجرةٍ، أو ظلمٍ، أو جنايةٍ، وحديثٍ غيرِ واجبٍ، ونحوِها، وهي حرامٌ عندَ الجمهورِ وإن خلت عن هذه المحرماتِ؛ فإنها تصُدُّ عن ذكرِ اللهِ، وعن الصَّلاةِ، وتُوقِعُ العداوةَ والبغضاءَ أعظمُ من النَّرْدِ إذا كان بعوضٍ، وإذا كانا بعوضٍ فالشَّطَرنجُ شرٌّ في الحالينِ.

وأما إذا كان العوضُ من أحدِهما؛ ففيه من أكلِ المالِ بالباطلِ ما ليس في الآخَرِ، واللهُ قرن الميسرَ بالخمرِ والأنصابِ والأزلامِ؛ لما فيها من الصدِّ، وإيقاعِ العداوةِ والبغضاءِ، والشَّطَرنج إذا استُكثِرَ منها تُسكِرُ القلبَ، وتصدُّه عن ذلك أعظمَ من سُكر الخمر، وقد شبَّه عليٌّ رضي الله عنه لاعبيها بعُبَّادِ الأصنامِ (١)، كما شبَّه رسولُ اللهِ شاربَ الخمرِ بعابدِ الوَثَنِ (٢).


(١) تقدم تخريجه أول الفصل.
(٢) رواه أحمد (٢٤٥٣)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه ابن ماجه (٣٣٧٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>