ناسيًا ليمينِه، أو جاهلًا، لم يقعْ به طلاقٌ في أحدِ قولَيِ الشافعيِّ وأحمدَ، وعنه في جنسِ ذلك ثلاثُ رواياتٍ؛ لأن البِرَّ والحنث في الأيمانَ بمنزلةِ الطاعةِ والمعصيةِ في الأمرِ والنَّهْيِ؛ لأن الحالفَ يقصِدُ بيمينِه الحضَّ لنفْسِه، أو لغيرِه ممن يحلفُ عليه، أو المنعَ لنفْسِه أو لغيرِه ممن يحلفُ عليه، فهو في الحقيقةِ طلبٌ مؤكدٌ بالقسَمِ، فكما أن الكلامَ نوعانِ: خبرٌ وإنشاءٌ، والإنشاءُ: أمرٌ ونَهْيٌ وإباحةٌ، والقسَمُ أيضًا نوعانِ: خبرٌ مؤكدٌ بالقسم، وإنشاءٌ مؤكدٌ بالقسَمِ، ولهذا كان القسَمُ جملتينِ: جملةً يُقسَمُ عليها، وجملةً يُقسَمُ بها، فإذا قال: واللهِ لقد كان كذا، وما كان كذا، أو: ليفعَلنَّ كذا؛ كان هذا قسمًا على الخبر، وإذا قال: والله لأفعلن كذا، أو لا أفعلُ (١) كذا أو لا تفعلي؛ كان هذا إنشاءً مؤكَّدًا بالقسَمِ؛ لكنَّه طلبٌ يتضمَّنُ الأمرَ والنَّهْيَ، ثم لما صاروا يحلِفونَ بالطلاقِ؛ كان له صيغتانِ: صيغةُ القسَمِ، وصيغةُ الشرطِ.
فصيغةُ القسَمِ: قولُ الحالفِ: الطلاقُ يلزَمُني لأفعَلَنَّ كذا، أو لا أفعَلُه، أو لتفعَلنَّ كذا.
وصيغةُ القسَمِ مُوجَبٌ في صيغةِ الجزاءِ، والمثبتُ في هذه منفيٌّ في هذه.
وصيغةُ الشرطِ إذا تضمَّنتْ معنى الحضِّ والمنعِ؛ كانت حلِفًا بالطلاقِ.