للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والدرجةُ الثالثةُ: إذا حلَف بصيغةِ القسمِ؛ كقولِه: الطلاقُ يلزَمُني لأفعَلنَّ كذا؛ فهنا ظاهرُ المذهبِ عن أحمدَ: أنه لا يحنَثُ، ثم من أصحابِه من يجعلُه قولًا واحدًا، ومنهم من يجعلُ فيه روايتينِ.

فالصوابُ: وقوعُ الاستثناءِ في هاتينِ الصورتينِ، وإن قيلَ: لا يقعُ في الإيقاعِ.

والمقصودُ هنا: أن الحالفَ على نفْسِه أو غيرِه ليفعَلَنَّ، أو لا يفعلن، هو طالبٌ طلبًا مؤكدًا بالقسمِ بمنزلةِ الأمرِ والنَّهْيِ.

وإذا كان كذلك، فقد عُلِم أن المنهيَّ إذا فعَل ما نُهِي عنه ناسيًا أو مخطئًا، حيث فعل شيئًا اعتقد أنه غيرُ المنهيِّ عنه، وكان هو المنهيَّ عنه؛ لم يكُنْ مخالفًا للناهي عاصيًا له، فكذلك من فعل المحلوفَ عليه ناسيًا أو مخطئًا في اعتقادِه؛ لم يكُنْ مخالفًا للحالفِ، فلم يحنَثِ الحالفُ، وهذا بَيِّنٌ لمن تأمَّلَه، واللهُ تعالى لم يُؤاخِذْ بالنسيانِ والخطأِ.

وأما إذا فعلَتِ الزوجةُ المحلوفَ عليه علماً بالمخالفةِ؛ فهذا فيه نزاعٌ آخَرُ غيرُ النِّزاعِ المعروفِ، فأصلُ الحلفِ بالطلاقِ: هل يقعُ به الطلاقُ، أو لا يقعُ؟ فإن النِّزاعَ في ذلك بينَ السَّلَفِ والخلَفِ.

والمقصودُ: إذا حلَف على زوجتِه، فخالفَتْه عمدًا؛ فذهب أشهبُ صاحبُ مالكٍ: إلى أنه لا يقعُ به طلاقٌ في هذه الصورةِ، وخالَفَه غيرُه من المالكيةِ.

ولعل مأخذَه: إما وجوبُ طاعتِه عليها، وجعْلِها عاصيةً بذلك، أو

<<  <  ج: ص:  >  >>