ومَن كان مواليًا للأئمةِ، مُحِبًّا لهم، يقلِّدُ كلَّ واحدٍ منهم فيما يظهرُ له أنه موافقٌ للسُّنةِ؛ فهو مُحسِنٌ في ذلك، بل هو أحسَنُ حالًا من غيرِه.
فالأئمةُ اجتماعُهم حجةٌ قاطعةٌ، واختلافُهم رحمةٌ واسعةٌ، فمن تعصَّبَ لواحدٍ بعينِه؛ كان بمنزلةِ الرافضةِ الذين يتعصَّبونَ لواحدٍ من الصحابةِ دونَ غيرِه، والخوارجِ، وهذه طريقةُ أهلِ البدعِ والأهواءِ الذين هم خارجونَ عن الشريعةِ بإجماعِ الأمةِ والكتابِ والسنةِ.
ثم غايةُ المتعصِّبِ لواحدٍ؛ إما مالكٍ، أو الشافعيِّ، أو أحمدَ، أو أبي حنيفةِ، أو غيرِه؛ غايتُه أن يكونَ جاهلًا بقَدْرِه في العلمِ والدينِ، وبقَدْرِ الآخَرِينَ، فيكونَ جاهلًا ظالمًا، واللهُ يأمرُ بالعلمِ والعدلِ، وينهى عن الجهلِ والظلمِ.
ولْيُعْلَمْ أن مَن اجتَهدَ منهم فأصابَ؛ فله أجرانِ، وإن اجتَهدَ فأخطَأَ؛ فله أجرٌ.
وبلادُ الشرقِ من أسبابِ تسليطِ اللهِ عليهم التُّرْكَ؛ كثرةُ التفرُّقِ والفتنِ بينَهم في المذاهبِ، وكلُّ ذلك مِن الاختلافِ الذي ذمَّه اللهُ، فإن الاعتصامَ بالجماعةِ والائتلافَ من أصولِ الدِّينِ، والواجبُ على الخلقِ اتباعُ المعصومِ الذي لا ينطِقُ عنِ الهوى، إن هو إلا وَحْيٌ يُوحَى، {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.