للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخوف من أهوال القبور]

ثم بعد ذلك الخوف من القبر: ويروى (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جمعاً من أصحابه قد اجتمعوا، فقال: علام اجتمع هؤلاء؟ فقالوا: يا رسول الله! على قبر يحفرونه.

فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين يدي إخوانه، ثم توجه إلى القبر وبكى حتى بل الثرى من دموعه، وقال: أي إخواني! لمثل هذا اليوم فأعدوا).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه).

فخف هذا اليوم ولا تتغافل عنه، وأعد لرؤية ملك الموت، ونزولك بدار البلاء بين أقوام لا يتكلمون، وأحباء لا يتزاورون، صار عليهم الجديدان سرمداً إلى يوم يبعثون.

فيا خبر! ما أثكلك، وتحتك الدواهي، مر بعسكرهم إن كنت ماراً، وادعهم إن كنت داعياً، وانظر إلى تقارب منازلهم، وسلهم عن الأعين النظرة التي كانوا بها إلى اللذات ينظرون، وسلهم عن الجلود الرقيقة وعن الأجساد الناعمة.

سلهم عما فعلت الديدان باللحمان تحت الأكفان، سالت الأحداق عن الوجنات، وامتلأت الأفواه دماً وقيحاً وصديداً، واتخذت هوام الأرض وحشراتها في أبدانهم مقيلاً.

يا مغسل الوالد والولد، ويا تاركه في التراب وحده، قل لي: بأي خديك بدأ الثرى؟! وأين كسوتك لصيفك وشتائك؟! وأين ثمارك اليانعة؟! إني سألت التراب ما فعلت بوجوه فيك مبعثره فقال لي صيرت ريحهمو يؤذيك بعد مناظرٍ عطره وأكلت أجساداً منعمة كان النعيم يهزها نظره لم تبق غير جماجم عريت بيض تلوح أو أعظم نخرة ففي يوم من الأيام سيخرج كل منا في رحلة لا يرجع منها أبداً، وسيركب كل منا مركباً لا يركب مثله أبداً، وسنوضع على شفير القبر، فماذا أعددت من النور لهذه الظلمة، وماذا أعددت من الغنى لهذا الفقر، غم الضريح، وردم الصفيح، أفلا يبكيك هذا؟!