[علو الهمة عند أم المؤمنين زينب]
ومن علو همة أم المؤمنين زينب بنت جحش في الصدقة أنها كانت امرأة صناعة، أي: تعمل بيدها وتتصدق به في سبيل الله.
قالت عائشة رضي الله عنها: كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد التزاماً بنفسها في العمل الذي تتصدق به، وتتقرب به إلى الله تبارك وتعالى.
أما في قيام الليل فحدث عنها ولا حرج، فقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: لـ زينب، إذا فترت تعلقت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد).
وعن برزة بنت رافع قالت: لما جاء العطاء - أي: عطاء سيدنا عمر لأمهات المؤمنين - بعث عمر إلى زينب رضي الله عنها بالذي لها، فلما دخل عليها قالت: غفر الله لـ عمر، لغيري من أخواتي كان أقوى على قسم هذا مني.
تظن أن هذا المال كله جاء لأمهات المؤمنين كلهن، فقالوا: هذا كله لك، فقالت: سبحان الله! ثم استترت دونه بثوب، ثم قالت: صبوه، ثم جعلت عليه ثوباً آخر، ثم قالت لجاريتها: ادخلي يدك فاقبضي قبضة اذهبي إلى آل فلان وإلى آل فلان من أيتامها ومن ذوي رحمها، فقسمته حتى بقيت منه بقية، فقالت لها برزة: غفر الله لك، والله! لقد كان لنا من هذا حظ، فقالت: لكم ما تحت الثوب، فرفعنا الثوب فوجدنا (٨٥) درهماً، ثم رفعت يدها وقالت: اللهم! لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا، فماتت قبل أن يأتي العطاء في العام المقبل.
وكان عطاء أم المؤمنين زينب بنت جحش في السنة (١٢٠٠٠) درهم.
حمل إليها فقسمته كله إلا (٨٥) درهماً فقط.
قالت عنها السيدة عائشة رضي الله عنها: لقد ذهبت حميدة متعبدة، مفزع اليتامى والأرامل.
وفي هذا عظة للإخوة والأخوات، فكل أخت ينبغي أن تسأل عن اليتامى والأرامل والمحتاجات من نساء المسلمين، وهذا دورهن في العمل الاجتماعي، أي: أن يبحثن عن النساء المسلمات المتعففات، اللاتي لا يجدن القوت، وأن تكون المرأة مسبحة ذاكرة صائمة متهذبة بكاءة خيراً لها، بعد أن تتعلم العلم المفروض عليها، ونحن قلنا: يجب أن يصحح الاعتقاد أولاً، أي: أن يكون مجمل الاعتقاد صحيح، وما فرض الله عليك من الصلاة والصيام والزكاة إن كنت غنية، ثم أقبلي على حفظ كتاب الله عز وجل، وكثرة الذكر.
وصح أن أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها طلقها النبي صلى الله عليه وسلم وقد حسن ذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة، وكذا الشيخ الألباني، ثم راجعها سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر من جبريل؛ لأن النبي لما طلقها نثر عمر التراب على وجهه وسار في طرقات المدينة وقال: ما أصبح الله يبالي بـ عمر ولا بابنة عمر، فنزل جبريل وقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة؛ لأنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة.