قارنوا يا إخوتاه بين أحوالنا وبين أحوال عباد السلف، وبين أحوال الأنبياء، فكان داود أعبد الناس، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً.
وهذه السيدة حفصة بنت عمر رضوان الله عليها زوج رسول الله، كان للصيام أثر طيب في حياتها، وقد أبقاها الله زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن رسول الله -كما قال الحافظ ابن حجر في الإصابة-: طلقها ذات يوم، فنثر عمر التراب على وجهه، وقال: ما أصبح الله يبالي بـ عمر ولا بابنة عمر، فنزل جبريل من السماء وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة؛ لأنها قوامة صوامة، وإنها زوجتك في الجنة.
والسيدة عائشة رضوان الله عليها كانت تسرد الصوم سرداً، وكذلك إمام أهل السنة وعالم المدينة مالك بن أنس، وكذا عروة بن الزبير أحد فقهاء المدينة السبعة، سرد الصوم ستين عاماً، يصوم يوماً ويُفطر يوماً، ومات وهو صائم.
وداود بن أبي هند سرد الصوم أربعين سنة، كان يأخذ طعامه من البيت فيتصدق به في عرض الطريق، فيظن أهل البيت أنه قد تناول ما أخذ من طعام، ويظن أهل السوق أنه قد أكل ما أخذه من البيت، بقي على هذا أربعين سنة، لا يشعر به زوجه، أو أهله.
سيبقى لكم في مضمر القلب والحشا سريرة حب يوم تبلى السرائر وهذا الإمام إبراهيم بن إسحاق النيسابوري إمام جليل من أئمة هذه الأمة تلميذ الإمام أحمد بن حنبل، وصاحب كتاب مسائل الإمام أحمد، هذا الإمام العابد كان نسيج وحده في الصيام، لدرجة أن الإمام أحمد وهو إمام أهل السنة يقول لابنه إسحاق: ومن يطيق ما كان يطيق أبوك؟! هذا الإمام ضل ستين سنة يسرد الصوم سرداً، لا يفطر إلا الأيام التي يحرم فيها الصوم.
فلما جاءه الموت قال لابنه: يا بني! قرِّب إليّ قدحاً من الماء لأشرب، ثم قال لابنه: يا بني! هل غربت الشمس؟ قال: لا يا أبت! قال: فنح القدح إذاً، ثم مات وهو يتلوا قول الله تبارك وتعالى:{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ}[الصافات:٦١].
فأديموا الصيام يا إخوتاه، وافرحوا بصومكم، افرحوا بعبادة تقربكم من الله تبارك وتعالى.