للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أبطال في عصر الدولة العباسية]

ثم بعد ذلك جاء هارون الرشيد الخليفة المفترى عليه، الذي كان يصلي مائة ركعة تطوعاً لله عز وجل في اليوم والليلة.

قال منصور بن عمار الواعظ: أكثر من لقيت دمعاً فضيل بن عياض، وهارون الرشيد.

أما فضيل بن عياض فقد قال فيه عبد الله بن المبارك: إذا مات الفضيل ارتفع الخوف من الأرض.

فملك يقارن حزنه وبكاؤه وخوفه من الله عز وجل بخوف الفضيل إنه لملك رشيد! وقد فتح هارون حصن الصفصاف سنة ١٨١ هجرية، وأخذه من ملك الروم قسطنطين بن ليون عنوة.

وأرسل إليه نقفور ملك الروم الذي تولى الحكم بعد الملكة أغسطة ملكة الروم، فكتب إليه: من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ -طائر كبير في السماء-، وأقامت نفسها مقام البيدق، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثالها إليها، ولكن ذاك ضعف النساء وحمقهن.

فإذا قرأت كتابي فاردد ما وصل إليك من أموالها، وافتدي نفسك بمالك.

فغضب هارون لما وصله الكتاب فمزق الكتاب وكتب في ظهره: من هارون ملك العرب إلى نقفور كلب الروم أما بعد: يا ابن الكافرة! فالجواب ما ترى لا ما تسمع والسلام.

وسار بنفسه على رأس الجيش حتى اضطر نقفور إلى دفع جزية قدرها ٤٠٠٠٠٠ دينار سنوياً.

وافتدى هارون الرشيد أسارى المسلمين في بلاد الروم وكان عددهم ٣٧٠٠ أسيراً حتى لم يبق أسيراً واحداً في بلاد الروم.

ثم جاء من بعده المعتصم رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعنا لكنها لم تلامس نخوة المعتصم فبمجرد أن صاحت امرأة في بلاد الروم وامعتصماه، ويسمع المعتصم قصتها وهو يدعو بالشراب لأن يشرب فيقول لساقيه: دع هذا الشراب حتى أفرغ من قتالهم، ثم قال: أي مدنهم أكثر أمناً؟ قالوا: عمورية، فساق الجيش إليها وانتصر واضطر ملك الروم إلى دفع الجزية مرة ثانية.

يقول الشاعر: أما سمعت بأرض الروم مسلمة تشكو لمعتصم ظلم المغيرينا فتسبق الخيل أصوات استغاثتها وتملأ الكون صيحات الملبينا وتصرخ اليوم آلاف مؤلفة فهل سمعت سوى أحزان باكينا ونحن نسمع أصوات استغاثتها وليس نسمعها إلا أغانينا خضر مرابعنا بيض صنائعنا سود وقائعنا حمر ليالينا ويذبح الطهر طهر البكر في دمه ونحن نسبح في أحلام ماضينا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

وكان في المغرب أيام حكم الخليفة العباسي المستعصم فارس يسمى: ابن فتحون، وقد بلغ من ذعر الروم منه أن الرجل كان إذا أراد أن يسقي فرسه الماء فتمتنع عن الشرب فيقول لها: اشربي أم أنك رأيت صورة ابن فتحون في الماء؟ ولك أن تتخيل مدى ذعر الروم من هذا القائد.

وخرج علج رومي ودعا المسلمين للمبارزة، فقتل من المسلمين ثلاثة، ثم نادى في المسلمين أيها المسلمون! رجل لثلاثة منكم، فشق ذلك على الخليفة فقال: علي بـ أبي الوليد بن فتحون فلما أتي به، قال له الخليفة: أما تسمع؟ قال: أسمع، وماذا تريد؟ قال: أن تأتيني به الساعة.

قال: لك هذا، ثم دعا بسوط، فقيل له: أما تخرج إليه بالسيف؟ قال: لا والله ثم دعا بسوط -والسوط هو الذي تؤدب به الكلاب- وعقد فيه عقدة وجعل لها خية في طرف السوط -يدخل فيها عنق فارس- ثم خرج وسط دهشة الرجل الصليبي فظل يصاوله فضربه الرومي على السرج ضربة قاتلة وفي لمح البصر نزل عن سرجه وتعلق برقبة فرسه، وقبل أن يصل ابن فتحون إلى الأرض علا مرة ثانية فوق السرج ثم ضرب هذا الفارس بالسوط ولف السوط على عنقه حتى دخلت الخية في عنق هذا الرجل وشدها إليه، ثم اقتلعه من على سرجه وأتى به إلى وسط صفوف المسلمين.

فكم نحتاج إلى مثل هؤلاء.