[قوله تعالى: (إذ يغشى السدرة ما يغشى)]
ثم قال الله تبارك وتعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم:١٦] النبي صلى الله عليه وسلم قال عن هذه الشجرة: (نبقها مثل قلال هجر، وورقها مثل آذان الفيلة).
وأنت عندما تنظر إلى شجرة طوبى تجد أنها عجيبة! يعني: جميع ثياب أهل الجنة تخرج من شجرة طوبى، انس الأرض قليلاً وأطلق لروحك العنان في ذلك الأفق الوضيء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من شجرة في الجنة إلا وساقها من خالص الذهب) أي شجرة أو أي نخلة في الجنة من الذهب الخالص، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من الدنيا في الآخرة إلا الأسماء)، يعني: يقول لك: هذا ذهب، ولكنه يخالف ذهب الدنيا، وهذا اشتراك في المسمى فقط.
إذاً: الشجرة من ذهب تغرس في أرض من مسك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرض الجنة مسك خالص، وتربتها الزعفران).
وقال ابن عباس: من مرمرة بيضاء من فضة كأنها المرآة، فضة الجنة ليست كفضة الدنيا، فضة الدنيا مصمتة لا تستطيع أن تنظر ما بداخلها، ولكن فضة الجنة ترى ما تحتها من أنهار، شجرة طوبى تسقى بخمر ولبن وعسل وماء غير آسن: خذني إلى بيتي أرح خدي على عتباتي وأبوس مقبض بابه خذني إلى وطنٍ أموت مشرداً إن لم أكحل ناظري بترابه نحن اعتصرنا غيم كل خرائط الدنيا وأشعار الحنين إلى الوطن لا ماؤها يروي ولا أشعارها تكوي ولا تنسي عدن إن من النعيم في الجنة أن تمر السحابة من المسك فتقول لأهل الجنة: (ماذا أمطركم)؟ يقول يحيى بن أبي كثير: أشهد الله أن لو أراني هذا الموقف لأمرتها أن تمطر علينا حوراً مزينات! وليس مطراً فقط، ففي الصحيح الموقوف على عبد الله بن عباس: أنه يخرج أهل الجنة إلى شواطئ أنهار الجنة، ويخرج الحور العين، فإذا أعجب الرجل منهن واحدة لمسها بمعصمه فتتبعه، فتنبت مكانها من النهر جارية أخرى.
إذاً: فيقول: وتمر السحابة من المسك فتحرك أغصان الأشجار، فيسمع لهذه الأشجار حثيث، فلا تدري أيهن أشد حسناً؛ صوت حثيث الأشجار أم صوت غناء الحور الحسان تحتها: قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان لا النغمات والأوزان يا حسن ذيّاك السماع وطيبه من مثل أقمار على أغصان يا حسن ذيّاك السماع فإنه ملئت به الآذان بالإحسان والشمس تجري في محاسن وجهها كالبدر ليل الست بعد ثمان يعني: ليلة أربعة عشر.
فيظل يعجب وهو خالق ذاك من ليل وشمس كيف يجتمعان فهذه هي الجنة، وهذا ما عند الله عز وجل في ملكوته.
ثم يقول الله تبارك وتعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم:١٦].
روى مسلم في أفراده من حديث عبد الله بن مسعود: قال: غشيها فراش من ذهب.
منظر جميل عندما تنظر إلى فراشات تغطي أوراق الأشجار، منظر يبعث الشاعر على أن يتكلم، فكيف إذا كان هذا الفراش من ذهب خالص؟! هذا قول سيدنا عبد الله بن مسعود.
وفي حديث مالك بن صعصعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت)، أي: لما نزل عليها من أوامر الله ما نزل تغيرت تلك الشجرة (فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها من حسنها).
تعجز الخلائق بعد نزول أمر الله عز وجل على هذه الشجرة أن تصفها من شدة حسنها، فما ظنك بجمال الخالق! قال ابن القيم: فيا مسرعين السير بالله ربكم قفوا بي على تلك الربوع وسلموا وقولوا محب قاده الشوق نحوكم قضى عمره فيكم تعيشوا وتسلموا أحبتنا عطفاً علينا فإننا بنا ظمأ والمورد العذب أنتم وحبكم أصل الهدى ومداره عليه وفوز للمحب ومغنم وتفنى عظام الصب بعد مماته وأشواقه وقف عليه محرم فحي على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم وحي على روضاتها ورياضها وحي على عيش بها لا يسأم فلله أبصار ترى الله جهرة فلا الحزن يغشاها ولا هي تسأم