يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما روى الإمام أبو داود والحاكم والبيهقي في المعرفة من حديث أبي هريرة وصححه الحاكم والألباني:(إن الله يبعث على رأس كل مائة عام -وفي رواية- على رأس كل قرن من يجدد للأمة أمر دينها).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن القرن أربعون سنة، وبناء على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فقد حدد المجاهدين المجددين لهذا الدين كل أربعين سنة.
وجمهور أهل العلم قالوا: إن القرن مائة عام.
وقال أهل العلم: قد يكثر المجددون في زمن واحد فيكون منهم مجدد في الفقه، ومجدد في الحديث، ومجدد في الجهاد، ومجدد في الزهد؛ فكان على رأس المائة الأولى سيدنا عمر بن عبد العزيز، وعلى رأس المائة الثانية الإمام الشافعي.
قال أهل العلم: إن نور الدين محمود بن الأتابك عماد الدين زنكي وتلميذه صلاح الدين الأيوبي هما المجددان للدين في قرنهما في باب الجهاد، فهما اللذان جددا الجهاد وأعادا اسم الجهاد بعد أن كان رسماً بالياً، ووالد نور الدين محمود زنكي كان والياً على حلب وهو عماد الدين زنكي، وهو أول من جرأ المسلمين على قتال الصليبيين بعد أن ظن الناس أن الصليبيين قوة لا تقهر؛ فجرأ المسلمين بفتحه لحصن الرها سنة (٥٣٩ هـ)، ثم أتى من بعده ولده القسيم بن القسيم، الشهيد بن الشهيد نور الدين محمود زنكي هذا الملك كان سلطاناً على دمشق، ثم بعد ذلك استنقذ مصر من أيدي الفاطميين، ووحّد مصر والشام، وبعد أن مات أسد الدين شيركوه عم صلاح الدين الأيوبي ونائبه على مصر ووزيره في المصريين، وتولى الوزارة من بعده ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي وظل على وفائه لسيده نور الدين محمود زنكي حتى وفاة نور الدين محمود زنكي الذي كان دائماً يتعرض للشهادة ويتمنى أن يقتل في سبيل الله عز وجل، وكان دائماً يقول: اللهم احشرني إليك من حواصل الطيور وبطون السباع، وكان الفقيه في عصره قطب الدين النيسابوري قاضي المملكة وفقيه نور الدين محمود زنكي يقول له: بالله عليك يا مولانا السلطان لا تخاطر بنفسك فتقتل فتعرض البلاد للخطر، إنما أنت سور البلاد وحاميها فيقول له: اسكت يا قطب الدين! إن هذه إساءة أدب مع الله عز وجل، فمن كان يحفظ البلاد والعباد -غير الذي لا إله إلا هو- قبلي وقبل من قبلي؟ وقد بنى نور الدين محمود زنكي داراً للعدل كان يجلس فيها يوماً أو يومين في الأسبوع، وذلك عندما قال له قاضيه كمال الدين الشهرزوري: إن الناس قد كثرت شكواهم من قواد الجيش -وكان نائبه آنذاك أسد الدين شيركوه - فقال: أبني داراً للعدل وأجلس لمظالم الناس وفضها بنفسي يوماً في الأسبوع، فما كان من أسد الدين شيركوه قائد القوات المسلحة في عهد نور الدين محمود زنكي إلا أن أقسم لولاته وقال: لو عرضتموني أن أقف أمام نور الدين محمود زنكي في دار العدل ورأيت أن أحداً من العوام يشتكي منكم لأضربن رقبة من يعرِّضني لهذا، فوالله! لضياع ملكي أهون عندي من أن ينظر إليَّ نور الدين محمود زنكي على أنني ظالم.
فما أتت شكاية واحدة من أسد الدين شيركوه ولا من أتباعه بعد أن ردوا للعوام مظالمهم، فسجد نور الدين محمود زنكي شكراً لله، وقال: الحمد لله الذي جعل عاملي ينصفني من نفسه.