[عدد ركعات صلاة التراويح]
فالمطلوب من المسلم أن يلتزم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل، وأن يقتدي به تمام الاقتداء، فقد كان لا يزيد في رمضان وغيره عن إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، وتجوز الزيادة على ذلك العدد.
وكانت صلاة التراويح عند الصحابة رضوان الله عليهم نموذجاً للكيف لا الكم كما قال تميم الداري: كنا نقرأ بالمئين، -يعني: في الركعة الواحدة-، وكنا نعتمد على العصي من طول القيام -يعني: عندما تمل أرجلهم من طول الصلاة- وما كنا ننصرف إلا في طلوع الفجر؛ خشيت أن يفوتنا الفلاح، أي: السحور.
يعني: كانوا يصلون إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة، وكانت تستغرق الليل إلى قبيل الفجر.
فمن أراد أن يكون سنياً فعليه أن يأتي بأكمل الهدي فيصلي في الليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة إلى قبيل الفجر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان تكثير الركعات عوضاً عن طول القيام، وهو الذي قال به جمهور أهل العلم.
وقال الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين: صلاة الليل من النفل المطلق ولا حد لأكثره، وأفضل الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
فينبغي للمسلم الالتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وليكثر من الوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى، فإنه يذهب من البدن أمراض الروماتيزم وغيرها من الأمراض.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن عبد الله: (إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله عز وجل من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه، وذلك في كل ليلة).
وهي ساعة التنزل الإلهي، وليست ساعة الإجابة التي تكون في آخر ساعة من عصر الجمعة، إنما هي ساعة إجابة في كل ليلة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل الآخر)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الساعات جوف الليل الآخر، أو جوف الليل الأخير).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام الليل بعشر آيات لم يكتب من الخاسرين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)، والمقنطرون كما جاء في الحديث الآخر: (من لهم قنطار من الأجر، والقنطار من الأجر خير من الدنيا وما فيها)، وفي رواية: (أثقل في الميزان من جبل أحد)، فإما أن تكون من الغافلين الذين أخذوا الطين، وإما أن تكون من المقنطرين.
أنت القتيل بكل من أحببته فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي قال الحافظ ابن حجر: آيات جزء عم وتبارك ما يقارب ألف آية، فمن قام الليل بهذين الجزأين كتب من المقنطرين ممن لهم قنطار من الأجر عند الله تبارك وتعالى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يعجب ربك إلى ثلاثة) وفي رواية: (ثلاثة يحبهم الله، ويضحك إليهم)، والحديث الآخر: (ومن ضحك الله إليه فلا حساب عليه)، وهؤلاء الثلاثة هم: رجل انهزم أصحابه في المعركة فقاتل بنفسه حتى فتح الله عليه وعلى أصحابه، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر بنفسه من أجلي.
ورجل عنده فراش لين وزوجة حسناء ولو شاء أن يرقد لرقد، فيدع فراشه ويصلي من الليل، ورجل كان في سفر هو وأصحابه وطال قيامهم حتى تمنوا أن لو تمس جلودهم الأرض، فناموا جميعاً، فقام يحرسهم ويصلي لله تعالى إلى أن استيقظوا.
وممن يضحك الله إليهم: الذين يقومون الليل ويتهجدون لله عز وجل.
تتجافى جنوبهم عن لذيذ المضاجعِ كلهم بين خائف مستجير وقامع تركوا لذة الكرى للعيون الهواجع واستهلت دموعهم بانصباب المدامع ورأوا أنجم الدجى طالعاً بعد طالع قيل للحسن البصري: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجهوهاً؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره.
فالذين يواظبون على صلاة الفجر ترى وجوههم نيرة، فما بالك بالذي يواظب على صلاة الليل؟ فالشيخ صفوت نور الدين، والشيخ الأستاذ عبد العظيم، والشيخ: أبو بكر الجزائري وجوههم نيرة؛ لأن لهم حظاً مع الله عز وجل، وكذلك سريرة صالحة مع الله عز وجل.
وكان محمد بن سيرين إذا دخل المسجد سَبّح الناس ربهم؛ لما على وجهه من النور، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أولياء الله الذين رُءوا ذُكر الله تعالى برؤيتهم).
والحافظ عبد الغني المقدسي كان إذا خرج من بيته اصطف الناس على جنبات الطريق للنظر إلى محياه، وبات معه رجل ممن يعبد الشمس فلما رأى صلاته من الليل وبكاءه، زفر الرجل زفرة خرج الكفر بها من صدره، فقد أثرت صلاة عبد الغني المقدسي في هذا الرجل فأسلم بسبب صلاة الليل.
فانظر إلى حال من لهم حال مع الله تبارك وتعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى ثم أيقظ زوجته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت الليل فصلت ثم أيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء)، وفي حديث آخر: (فإن قاما من ليلتهما هذه كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات).
وصلة بن أشيم العدوي لما تزوج السيدة معاذة العدوية تلميذة السيدة عائشة رضي الله عنها، ففي ليلة البناء أدخله ابن أخيه بيتاً حاراً، ثم أدخله بيتاً مطيباً، ثم بعد ذلك أدخلوا إليه معاذة، فقام يصلي صلاة الليل حتى الصباح، وقامت هي تصلي خلفه، فعاتبه ابن أخيه في اليوم الثاني فقال له: يا عماه! في ليلة عرسك تصلي إلى الصباح! قال: وماذا أصنع يا ابن أخي، إنك أدخلتني بيتاً حاراً فذكرتني فيه بالنار، ثم أدخلتني بيتاً مطيباً فذكرتني فيه بالجنة، فلم يزل خلدي فيهما إلى الصباح.
ورياح القيسي لما تزوج ذؤابة العابدة تناوم في ليلة البناء يريد أن يختبر صلاة زوجه، فلما كان ربع الليل الأول قالت: يا رياح! قم فقد مضى ربع الليل الأول، فقال: أقم ولم يقم، فلما كان ربع الليل الثاني، قالت: يا رياح قم، قد مضى ربع الليل الثاني، قال: أقوم ولم يقم، فما زال كذلك إلى صلاة الفجر، فلما كان عند الفجر قام يصلي الفجر في جماعة، فقالت: ليت شعري من غرني بك يا رياح، لأنه ما صلى إلا الفجر فقط في جماعة.
وكانت زوجة محمد بن حبيب العجمي توقظه لصلاة الليل، وتقول له: قم يا سيدي! فهذا الليل قد أدبر، وهذا النهار قد أسفر، والطريق طويل، والزاد قليل، وهذه قوافل الصالحين قد وصلت إلى الجنة ونحن قد بقينا.
وكانت زوج أحمد بن أبي الحواري: رابعة بنت إسماعيل الشامية توقظ زوجها لصلاة الليل، فكان يقول: والله! إن قلبي ليرق بالنظر إلى وجه زوجتي أكثر مما يرق بالحديث مع إخواني؛ لما أرى عليها من أثر التهجد والخشوع وآثار الصلاة.
والنبي صلى الله عليه وسلم ربما قام الليل بآية حتى يصبح، وقام الليل حتى تفطرت قدماه، أي: تشققت قدماه من طول القيام، فتقول السيدة عائشة: (يا رسول الله! أتفعل هكذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً).