يقول سعيد بن المسيب: إذا رأيتم العالم يرتاد أبواب الأمراء فاشهدوا أنه لص.
وكان مالك بن دينار يقبل جوائز السلطان والهدايا التي يبعث بها الخليفة، وما كان يقبلها محمد بن واسع، فأتى محمد بن واسع وعاتب مالك بن دينار في قبوله للهدية قال: يا مالك أقبلت جوائز السلطان؟! قال: بالله عليك لا تحكم علي بذلك، وإنما سل جلسائي، وقالوا: والله لقد فرقها في اليتامى والمساكين، قال: ناشدتك الله يا مالك أقلبك الساعة على السلطان؟ قال: لا، أشهد الله أنه قد تغير، قال: فانظر من أين أوتيت، فبكى مالك بن دينار وقال: إنما مالك حمار، إنما يعبد الله أمثال محمد بن واسع، قال تعالى:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}[الجمعة:٥].
قال سفيان الثوري: ما شيء أشد على نفسي من قول الله عز وجل: {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}[المائدة:٦٨].
وقال سفيان: لست أخاف إهانتهم وإنما أخاف كرامتهم، فلا أرى سيئتهم سيئة، ولا أرى للسلطان مثلاً إلا مثلاً ضرب على لسان الثعلب، قال الثعلب: عرفت للكلب نيفاً وسبعين دستاناً -أي: مكراً وحيلة- ليس منها دستان خير من ألا أرى الكلب ولا يراني.
قال سفيان: أدخلت على أبي جعفر المنصور بمنى وكان فظاً فقلت له: اتق الله، فإنما أنزلت هذه المنزلة وصرت في هذا الموضع بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون بين يديك جوعاً، حج عمر فما أنفق إلا خمسة عشر ديناراً، وكان ينزل تحت الشجر، قال: أتريد أن أكون مثلك؟ قلت: لا، ولكن دونما أنت فيه، وفوق ما أنا فيه، قال: اخرج.
قال عصام بن يزيد: لما أراد سفيان أن يوجهني إلى أمير المؤمنين المهدي قلت له: أنا غلام جبلي لعلي أسقط بشيء، فقال: يا عصام! أترى هؤلاء الذين يجيئون؟ لو قلت لأحدهم لظن أني قد أسديت إليه معروفاً ولكن قد رضيت بك، قل ما تعلم ولا تقل ما لا تعلم، فلما رجعت قلت له: لأي شيء تهرب منه، لو جاء لخرجت معه إلى السوق فأمرنا ونهينا، قال: يا غافل! حتى يعمل بما يعلم، فإذا فعل لم يسعنا إلا أن نذهب إليه.