للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصص المتهجدات من النساء]

وكانت حفصة بنت سيرين إذا قامت إلى صلاة الليل لبست كفنها، فربما انطفأ مصباح البيت فيوقد لها مصباح آخر، وجلست في مصلاها اثنتا عشرة سنة وما خرجت إلا لقائلة، أو لحاجة زوج.

وأم الدرداء الصغرى كانت مع نساء متعففات معها يقمن الليل، فما يركعن الركعة الأولى إلا بعد قراءة سورة الأنعام، وإن أرجلهن لمنتفخات من أثر القيام.

وكانت منيفة العابدة إذا قامت إلى صلاتها من الليل تقول: بخ بخ! يا نفس قد جاء سرور المؤمن، فإذا قامت إلى صلاتها تقول: لا تأنسن بمن توحشك نظرته فتمنعن من التذكار في الظلم واجهد وكد وكن في الليل ذا شذم يسقيك كأس وداد العز والكرم فإذا أسفر الصباح بكت وقالت: واحرباه! واسلباه! ذهب الظلام بأنسه ليت الظلام بأنسه يتجدد.

وعلي بن بكار عَمِيَ من طول البكاء، وكان يقول: منذ أربعين سنة ما أحزنني إلا أذان الفجر لأنه يقطع علي الصلاة مع الله عز وجل.

أخي قد قيد القيد قدميك وغل الإبعاد يديك أفما لك عين تبكي عليك؟ دخل أحمد بن أبي الحواري على أبي سليمان الداراني فوجده يبكي في وقت السحر، قال: ما يبكيك يا أبا سليمان؟! قال: وكيف لا أبكي وإنه إذا كان مثل هذا الوقت من الليل قام العابدون إلى محاريبهم، وتقطرت دموعهم على خدودهم، وأشرف الجليل من السماء وقال: بعيني من تلذذ بذكري واستراح لأنسي، لما لا تنادي فيهم يا جبريل ما هذا البكاء، هل رأيتم حبيباً يعذب أحبابه، أم كيف يجمل بي أن آخذ قوماً إذا جنهم الليل تملقوا إليّ بالدعاء؟ فبي حلفت: إن وردوا عليّ يوم القيامة لأكشفنّ لهم عن وجهي الجميل حتى ينظروا إليّ وأنظر إليهم.

وقال أبو سليمان الداراني: نمت ذات ليلة عن وردي من صلاة الليل، فإذا أنا بحوراء من أهل الجنة تأتيني مناماً وتقول لي: أتنام والملك يقظان؟ أتنام وأنا أربى لك في الخدور منذُ آلاف الأعوام؟ بؤساً لعين آثرت لذة نوم على مناجاة الملك العلام، وأنشدته شعراً حفظ منه: أتطلب مثلي وعني تنام؟ ونوم المحبين عنا حرام لأنا خلقنا لكل امرئ كثير الصلاة براه القيام يعني: أبقاه قيام الليل عظماً على لحم.