للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى شيخ الإسلام وعلى من يطلق هذا اللقب]

أول من لقب بشيخ الإسلام هما سيدنا أبو بكر الصديق وسيدنا عمر، والذي لقبهما بذلك هو سيدنا علي، كما روى المحب الطبري قال: إماما الهدى وشيخا الإسلام، فشيخ الإسلام لقب شرعي كأمير المؤمنين في الحديث كالحافظ والمحدث، فاختص به جماعة من أهل العلم إما من أهل العلم الحفاظ أو الزهاد أو من كانوا رأساً في السنة، أي: إمام يحتج بقوله في العقيدة.

وقال المحب الطبري: إذا رأيت الرجل يحب الأوزاعي فاعلم أنه من أهل السنة والجماعة، وإن رأيت الرجل يقع في أبي إسحاق الفزاري فاعلم أنه مبتدع.

يعني: أنه يصير علماً في السنة يقتدي به الناس على طريقة السلف في العقيدة، يقال: كان الرجل رأساً في الحديث، أو رأساً في السنة، فقولك: كان رأساً في السنة معناه: كان إماماً يؤتم بقوله ويعتمد على قوله في العقائد، كشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام أحمد بن حنبل وسفيان الثوري وحماد بن زيد وسعيد بن جبير.

وقد يكون الرجل إماماً في الحديث، وقد يكون إماماً في الفقه، وقد يكون إماماً في الزهد، وقد يكون ممن عمر في الإسلام، والمتتبع لشيوخ الإسلام المعتبرين على مدار التاريخ يجدهم ما يقارب ثلاثمائة وخمسين شيخاً كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وأبي داود الطيالسي وغيرهم، ثم أطلق لقب شيخ الإسلام على قاضي القضاة عند الشافعية وعند الحنابلة، فصار هذا اللقب يطلق على كل من هب ودب كما يقول العلماء، فكونك تريد أن تعرف شيوخ الإسلام فهم القمم في حياة المسلمين وهم القدوة، وإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، فشيوخ الإسلام هم الذين طبقوا العلم على أنفسهم وصاروا نوراً يمشي على الأرض، فالعيش مع هؤلاء ليس مجرد حكايات، بل حياة الإسلام وتاريخه متمثل في هؤلاء القمم؛ لأنهم هم الذين طبقوا الإسلام.

يقول أمير المؤمنين في الحديث سفيان الثوري: ما رأيت الزهد في شيء أقل منه في الرئاسة، ترى الرجل يذهب في المطعم والمشرب والمال والثياب، فإن نوزع في الرئاسة حامى وعادى عليها.

والزهد في النفس: ألا ترى لنفسك قيمة أبداً كما قال سفيان الثوري: من نظر إلى نفسه كانت نفسه عنده أذل من كلب.

لذلك فإن المولى عز وجل ستر عليك من القبائح ما لو ظهرت لفاح نتنها، فأنت تعلم من نفسك ما لا يعلم غيرك منك، فاحمد الله على العافية، ومن أراد الزهد الحقيقي فليزهد في نفسه وفي طلب الجاه عند الناس، والتزين في قلوب الخلق، والهرب من ذم الناس، وطلب مدحهم، كل هذه عوامل كبيرة من عوامل الرياء، والرياء أعظم فتنة وكما يكون في الأفراد يكون في الجماعات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (غير الدجال أخوف عليكم: شرك السرائر)، قالوا: وما شرك السرائر يا رسول الله؟! قال: (أن يقوم الرجل فيصلي فيطيل في صلاته؛ لما يرى من نظر رجل إليه).

مثال ذلك: أخ أراد الاعتكاف في رمضان مع إخوة معتكفين، وهو في بيته يصلي صلاة قصيرة، فقال: هؤلاء هم صفوة القوم، وأنا سأقرأ في صلاتي سورة المائدة أو الأنعام؛ ليري الناس أنه يطيل في صلاته، فإن هذا أخطر شيء على الرجل.

سيدنا عبد الله بن المبارك خرج من بلدته مرة وذهب إلى بئر ليستقي، فجعل الناس يزاحمونه فقال أحد الحفاظ: إنه عبد الله بن المبارك فقال: اسكت إنما العيش هكذا والله ما خرجنا من مرو إلا من أجل هذا.

فإذا أراد الله تبارك وتعالى حفظك وإذا أراد بك خيراً حماك من الشهرة، وهي نعمة لو سجدت لله تبارك وتعالى شكراً على محمي الإبر ما كافأته عليها.