[من سنن الله الجزاء من جنس العمل]
إن لله سنناً يغفل عنها الناس، وهي تبين أن الجزاء عند الله عز وجل من جنس العمل، وأن الظالم يظلم، وأنه وإن طال ظلمه فسينتقم الله عز وجل منه يوماً من الأيام، لكن الناس غافلون عن حكمة الله عز وجل الكونية القدرية.
كان لسيف الإسلام خالد بن الوليد مع الصليبيين عدة مواقع، منها يوم الموقعة التي حدثت في ١٥ رجب في ١٤هـ، وفتح الله على يديه فيها دمشق، وقد اشتركت في هذه المعركة أربعة جيوش إسلامية جيش بقيادة فارس الإسلام أبي عبيدة بن الجراح، وجيش بقيادة شرحبيل بن حسنة وجيش بقيادة عمرو بن العاص والجيش الرابع بقيادة خالد بن الوليد، وقد ظل الجيش الإسلامي محاصراً لمدينة دمشق أربعة أشهر، ولما طال المدى بـ خالد بن الوليد وهو الذي وصف حينها بأنه كان لا ينام ولا ينيم، والذي قال فيه الخليفة أبو بكر الصديق: والله لأذهبن وساوس الروم بسيف خالد، ولما ضاق ذرعاً من طول مدة الحصار، أوصلت إليه عيونه اليقظة التي لا تنام: أن كبير الروم بدمشق قد ولد له مولود، وأنه سيسقي حامية السور الخمر يوم الأحد، فأعد سيف الإسلام خالد حبالاً مفتولة من الليف، وجعل في نهاية الحبال خطاطيف.
وأعد قرباً منفوخة بالهواء، وكان الروم قد حفروا خندقاً عظيماً حول السور وملؤه بالماء، ثم دعى مذعور بن عدي العجلي، والقعقاع بن عمرو ومن معهم فجعلوا يرسلون الحبال على أعالي الأسوار حتى علق منها حبلان، فصعد مذعور بن عدي العجلي والقعقاع بن عمرو التميمي ومعهما بقية الحبال، فوثقوها في أعلى الأسوار، ثم قال خالد لمن معه: إذا سمعتم تكبيرنا من فوق الأسوار فانهدوا إلينا، ثم نزل خالد ومن معه من أعلى الأسوار وسط تكبيرهم، ثم قتلوا حارس الباب، ثم ضربوا الباب ففتحوه، وظل سيف الإسلام خالد الليل بأكمله يحصد من أمامه حصداً، حتى سارع جند الروم وقالوا: افتحوا الباب لـ أبي عبيدة لئلا يفنينا خالد، فالتقى جيش خالد بجيش أبي عبيدة عند سوق الزياتين بدمشق.
أما المعركة الثانية التي خاضها سيف الإسلام خالد بن الوليد ضد الروم فهي معركة اليرموك، وقد أنهت الوجود الصليبي في بلاد الشام، وكانت بين قيصر وقائد جنده ماهان، وهو أقوى فارس في إمبراطورية الروم، وبين جيش الصحابة وفيه مائة بدري على رأسهم معاذ بن جبل أعلم الأمة بالحلال والحرام، فقد كان قائد الميمنة، وفي القلب وعلى الفرسان سيف الله خالد بن الوليد، وهو البطل الذي أمر نفسه في هذه المعركة الفاصلة، وأبو عبيدة أمين هذه الأمة والقائد الأعلى للقوات، وقيس بن مكشوح المرادي، وسعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم من صناديد المسلمين.
وكان سيدنا أبو هريرة ينادي: أتفرون عن الجنة، وأبو سفيان بن حرب يقول: يا نصر الله اقترب، يا نصر الله اقترب، وكانت المعركة الفاصلة التي أنهت وجود الروم في بلاد الشام، فقد بلغ عدد الذين قتلوا من الروم مائة وعشرين ألفاً، ثمانون ألفاً منهم قتلوا مقترنين بالسلاسل، وكانوا قد ربطوا أنفسهم بها، وأربعون فروا فقتلوا في منحدر جبلي تتبعهم المسلمون حتى سقطوا، وقتل صناديد الروم ورؤساءهم، وقتل أخ لـ هرقل، وانتهت قصة الروم في أرض الشام.
أتوا وهم يرون أنهم لا غالب لهم من الناس، ففي بداية المعركة يجئ هرقل وينادي خالداً: عودوا نوصي لكل رجل منكم بعشرة دنانير، ونوصل إلى أميركم بالمدينة عشرين ديناراً، ونوصي لكل رجل منكم حمل بعير من التمر والبر والشعير، وكسوة الصيف، وكسوة الشتاء، نحن نعرف أنه ما أخرجكم من بلادكم إلا الجوع والجهد، فعودوا، فأجابه سيف الإسلام خالد بعزة المسلم: والله إنا قوم نحب شرب الدماء، وقد بلغنا أن دماء الروم من أحلى الدماء مذاقاً، فلا نعود إلا بشرب دمائكم.
وكان المغيرة بن شعبة قد قال للرسل قبل مثل كلام خالد إذ قال: والله إن حبة بأرضكم تسمونها الحنطة منذ أطعمناها لأولادنا وهم يصيحون بنا: لا تأتون إلا بها، فلا نعود إلا بهذه الحبة من الحنطة.
إنها عزة المسلم المقبل على الله عز وجل ولا يتمنى إلا الشهادة في سبيله.
ولما فر الروم من خالد بن الوليد وجيشه ولما اختبئوا في الحصون قال لهم: والله لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلكم إلينا حتى نقاتلكم.
نحن في هذه الأيام بحاجة إلى قلامة ظفر من سيدنا خالد إلى شسع نعله إلى حافر فرسه هل يقدر لظهور الخيل التي ركبها أبو سليمان أن يمتطيها بطل غيره، فيعيد للإسلام عزته، ويعيد للمسلمين مكانتهم؟! فانظر إلى واقع المسلمين وإلى التاريخ حتى لا تصاب باليأس، وفي التاريخ أكبر العظة، فهذا مسلمة بن عبد الملك يسمى الجرادة من كثرة ما قتل من جيوش الروم، وكان أولى بالخلافة من إخوته جميعاً كما قال الإمام الذهبي، وهو أول قائد من قواد المسلمين يغزو بلاد الروم في عقر دارهم، وكان معه بطل من أبطال المسلمين يسمى عبد الله البطال، يذكر أن المرأة من بلاد الروم كانت إذا أرادت أن تخيف ابنها تقول: نم وإلا أقول: خذه يا بطال! وقد سئل مرة: ما أغرب ما رأيت؟ قال: بينما أنا أمشي في بلاد الروم وإذا بي أمر تحت نافذة أحد البيوت، وإذا بامرأة تقول لطفلها وقد استعصى عليها تريد أن تنيمه: اسكت وإلا أقول: خذه يا بطال، ثم أخرجته بيدها من النافذة فتلقفته منها، وهذا يبين مدى تأثير صناديد المسلمين في الروم وهم سادة الدنيا في ذلك الوقت.