[إحباط عمل العاصي وحجبه عن رؤية الله عز وجل]
ومن العقوبات التي ينالها من بعد عن طريق الله عز وجل إحباط العمل؛ يقول الله عز وجل: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [آل عمران:٢٢].
واليأس من رحمة الله، يقول الله عز وجل: {أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي} [العنكبوت:٢٣]، واليأس من مغفرة الله.
ويحرم من رؤيته سبحانه، قال الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥]، وهذا أشد من عذاب النار، فلا ينظر الله تبارك وتعالى إليهم، ولا يزكيهم، ويحجبهم عن رؤيته بنص القرآن: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ} [المطففين:١٥ - ١٦]، فلا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ويحرمهم من النور عند الصراط، ويحول بينهم وبين ما يشتهون، كما قال الله عز وجل: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ:٥٤].
فهؤلاء الذين {يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} [الممتحنة:١٣]، فلا خلاق لهم في الآخرة، أي: لا نصيب لهم في الآخرة، وهؤلاء ينسون يوم القيامة، قال تعالى: {الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الجاثية:٣٤]، فلا مأوى لهم ولا ناصر، قال تعالى: {وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [الشورى:٨].
ثم بعد ذلك: الحشر في عرصات القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر)، فيغشاهم الذل من كل مكان، وتعلوهم النار، ويساقون إلى سجن في جهنم، أليس يكفيهم النار؟ ولماذا السجن؟! ولماذا القيود؟ ولماذا الأغلال؟! هل هم سيهربون؟ والله ما سلسلهم خوفاً من هربهم ولا فرارهم، وإنما سلسلهم زيادة في نكالهم، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى: (بولس) يسقون من عصارة أهل النار (طينة الخبال).
قال تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:٢٢]، وقال الله عز وجل: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر:٤٨]، وقال الله عز وجل: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء:٩٧]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يخرج عنق من النار له لسان فصيح، وعينان تبصران، وأذنان تسمعان، يقول: إني وكلت بكل من دعا مع الله إلهاً آخر، فيلتقطون من الموقف لقط الطير حب السمسم، فيحبسهم في النار، ثم يخرج مرة ثانية فيقول: إني وكلت بالمصورين، إني وكلت بالمتكبرين، فيحبسهم في النار، ثم يخرج مرة ثالثة: فيقول: إني وكلت بالمصورين).
وإذا حبس هؤلاء في النار جيء بالموازين والصحف، واستعد الناس للحساب، فما ظنك أيها المفرط في عمرك! والمقصر في دهرك بسكان هذه الدار ضيقة الأرجاء، مظلمة المسالك، مبهمة المهالك، دار يخلد فيها الأسير، ويوقد فيها السعير، طعام أهلها الزقوم، وشرابهم الحميم، هذه والله دار الذل والهوان والعذاب والخذلان، دار الشهيق والزفرات، والأنين والعبرات، أحدثك عن دار غم قرارها، مظلمة أقطارها، حامية قدورها، فظيعة أمورها، يقول الله عز وجل يوم القيامة: (يا ابن آدم! ألم أكرمك وأسودك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأجعلك ترأس وتربع؟ يقول: بلى فيقول: أكنت تظن أنك ملاقي؟ يقول: لا، فيقول له الله عز وجل: فاليوم أنساك كما نسيتني)، فيقوم الرجل في عرصات القيامة وقد حشر الناس حفاة عراة غرلاً، وقد دنت الشمس من رءوسهم، فمنهم من ذهب عرقه في الأرض سبعين ذراعاً، ومنهم من يلجمه عرقه حتى يبلغ إلى أنصاف أذنيه، فيناديه الله تبارك وتعالى: ليقم فلان ابن فلان للعرض على الله عز وجل، فتأخذه الملائكة في العرض على الله عز وجل، فأين يكون قلبك في هذه اللحظة؟ ليقم فلان ابن فلان، والأسماء المتشابهة كثيرة، ولا أحد يقول: يمكن ألا أكون أنا المطلوب، ولا يمكن أحد أن يقول: اسمي ثلاثي أو اسمي رباعي! لا يوجد هذا الكلام، إذا قيل: فلان بن فلان مع تشابه مئات وآلاف من الأسماء المتشابهة والله لا يقوم إلا من وقر في صدره أن هو المعني، وذلك بالخوف الذي يعتريه، فلا يقف أبداً ولا يقوم إلا المعني بالسؤال، فتصوروا هذه الفضيحة على رءوس الأشهاد، ويقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:١٨].
تصوروا أناساً يقفون في عرصات القيامة وقد أدنيت الشمس من رءوسهم، فتطحنهم الشمس طحناً، وقاموا أمام الله عز وجل في عرصات القيامة {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:٤]، فلم يذوقوا طعاماً، وما شربوا شراباً حتى تقطعت أكبادهم من شدة العطش، ثم يؤمر بهم فيسحبون إلى النار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليؤتى بالرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرءوا إن شئتم: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:١٠٥]).
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به) من سمع سمع الله به مسامع خلقه، وصغره وحقره يوم القيامة.