[وصف أرائك الجنة وخدامها وولدانها]
قال الله تبارك وتعالى عن أرائك أهل الجنة: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن:٥٤] البطانة: الحشو.
فإذا كانت البطائن من إستبرق، فمم تكون ظواهرها؟ قال مالك بن دينار: من نور جامد.
وقال سفيان الثوري: من نور يتلألأ.
وعلى هذا الإستبرق تجلس الخيرات الحسان، فهي خيرة جمعت بين حسن الخلق وبين حسن الخلقة.
{وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة:٢٢] يقال للمرأة: إنها حوراء إذا كانت شديدة بياض العين شديدة سوادها، يعني: أن عينها كعين المها، يقال لعين المها أو عين البقرة الوحشية؛ لأنها شديدة اتساع الحدقة، وهذه المرأة تمتاز بميزة كما قال تعالى: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا} [النبأ:٣٣].
وقال: {عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة:٣٧] والعرب: جمع عروب، والعروب: هي المرأة التي تحسن تدليل زوجها، يعني: إذا تعب زوجها تحسن تدليله في الفراش، هذا بالنسبة للأسرة.
أما ارتفاع السرير فقد قال سفيان الثوري: قدر ثمانين عاماً ليشرف على أعلى ملكه.
وفي الحديث الصحيح؛ حديث عبد الله بن مسعود، الذي رواه الإمام عبد الله ابن الإمام أحمد في كتابه السنة: (آخر من يدخل الجنة يرى قصراً من در أبيض فيسجد له، فيقال: مه، ارفع رأسك، يقول: كأنما رأيت ربي أو تراءى لي ربي، فيقال: إنما هذا قصر من قصورك.
فما ظنك بالجنة؟! ثم يمشي في الجنة فيرى رجلاً فيهم بالسجود له، فيقول: مه ارفع رأسك، فيقول: كأنك ملك من الجنة، يقول: لا، إنما أنا قهرمانك -يعني: أنا خادمك- تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه).
أنت القتيل بكل من أحببته فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي وجاء في الحديث أن الرجل يعرض عن زوجته ثم ينظر إليها فتزداد في عينيه سبعين ضعفاً ويزداد في عينيها سبعين ضعفاً، والحديث صححه الحافظ ابن حجر العسقلاني والإمام المنذري والإمام الذهبي رحمهم الله.
هذا بعض نعيم أهل الجنة قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ} [المرسلات:٤١] يفجر الرجل نبع الماء، كما قال الله عز وجل: {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان:٦].
فأينما أراد تفجير نبع ماء تفجر، وفي أي أرض حل من أرض الجنة تخرج له العين النضاحة والعين الفوارة أي: العين الجارية، وكلاهما منظر للعين حسن.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أهل الجنة مائة وعشرون صفاً، أمتي منهم ثمانون صفاً) وباقي الأمم أربعين صفاً، وأمة النبي صلى الله عليه وسلم ثلثي أهل الجنة.
يا من أراد الله تبارك وتعالى لك الرفعة! {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف:٤٤] إن القرآن رفعة لهذه الأمة كما يقول الشاعر: إذا أنت غمت عليك السماء وضلت حواسك عن صبحها فعش دودة في ظلام القبور تغوص وتسبح في قيحها يا من أراد الله لك الرفعة حين تدخل الجنة! قال تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:٢٣ - ٢٤].
وليس الملائكة فقط، بل المولى عز وجل، قال تعالى: {لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس:٢].
وقال تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:٥٥]، وقال تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:٤٤].
{سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:٥٨].
فالمولى عز وجل هو الذي يسلم على أهل الجنة، كما تسلم عليهم الملائكة ولا يسمعون فيها إلا السلام، والكلام الذي لا لغو فيه ولا تأثيم، قال تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا} [الواقعة:٢٥ - ٢٦].
واعلم أن ملك الجنة ليس له حدود، قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان:٢٠].
زوارك فيها أنبياء الله عز وجل، والطوافون عليك فيها الولدان المخلدون: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا} [الإنسان:١٩] أي: في جمال اللؤلؤ المكنون والمنثور.
هذا الخادم فما ظنك بالمخدوم؟