وسعد بن معاذ كان صديق الأنصار، وكانت منزلته في الأنصار في الصدق تساوي منزلة أبي بكر في المهاجرين في الصدق وإن كان بينهما تفاوت عظيم، وكانوا يلقبونه بصديق الأنصار، وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم:(إنه لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء).
وكان قد قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهم ذاهبون إلى بدر:(ولعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك)، فسر النبي صلى الله عليه وسلم واستنار وجهه.
ولما أصيب في أكحله -والأكحل: أكبر شريان في الجسم -نزف الدم حتى أصاب من في الخيمة، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وبكى أبو بكر وعمر، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يحاول أن يرقي له جرحه، ولما كان جرحه ينزف ويصيب من في الخيمة رفع سعد يده إلى السماء وقال: اللهم إن كنت أبقيت رسولك صلى الله عليه وسلم لحرب يهود -وكانوا حلفاءه- فأبقني، قالوا: فوالله لقد انقطع دمه فما قطر قطرة واحدة بعد دعائه الصادق.
ثم كانت حرب النبي صلى الله عليه وسلم لليهود وحصاره لهم، فقالوا: ننزل على حكم سيدنا سعد بن معاذ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتي بـ سعد بن معاذ، فلما وصل قال النبي صلى الله عليه وسلم:(قوموا لسيدكم فأنزلوه)، ومن عظيم أدب سعد العظيم أنه نظر إلى الخيمة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: حكمي نافذ على من في هذا؟ -تأدباً مع النبي صلى الله عليه وسلم- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فأخذ الميثاق من اليهود على نفاذ حكمه فيهم؛ لأنه يعرف أنهم قد نقضوا عهدهم مع الله عز وجل، فكيف لا ينقضون عهدهم مع سعد وهو يعرف أنهم قوم بهت، فلما أخذ منهم العهد قال: حكمي فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم، وتقسم أموالهم.
ثم قال سعد: اللهم افجره؛ شوقاً إليه، فانفجر أكحله، فطببوه عند رفيدة الصحابية الطبيبة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه كل يوم ويسأل عن أخباره، فأتاها مرة فقالت: اشتد به الوجع، فأتى قومه بنو عبد الأشهل فحملوه إلى ديارهم، ونزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(يا رسول الله! من هذا الذي قد مات من أمتك؟! لقد نزل إلى الأرض سبعون ألف ملك ما نزلوا إلى الأرض قبل يومهم هذا لتشييعه).
والحديث صححه الشيخ الألباني.
فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم السير حتى تقطعت نعال من معه من الصحابة، فقالوا: يا رسول الله! تعبنا من هذا السير، قال:(أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غسلت حنظلة).
فـ حنظلة حملته الملائكة وغسلته ووارته، وهناك قوم تسلم عليهم الملائكة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة فتغسله كما غسلت أخاه حنظلة)، ولما وصل إلى البيت وجد أمه تنوح عليه وتقول: ويل أمك سعداً حزامةً وجداً وفارساً معداً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل نائحة كاذبة إلا نائحة سعد)، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك:(إن عرش الرحمن اهتز لموت سعد بن معاذ)، وفي رواية جودها الحافظ الذهبي:(إن عرش الرحمن اهتز فرحاً بموت سعد بن معاذ).