قال محمد بن سعد: طلب الخليفة المنصور سفيان الثوري، فخرج إلى مكة، فنفذ المهدي إلى محمد بن إبراهيم عامله على مكة في طلبه وقال له: هات سفيان الثوري، فأعلم سفيان بذلك، وقال له محمد بن إبراهيم أمير مكة: إن كنت تريد إتيان القوم فاظهر حتى أبعث بك إليهم وإلا فتوارى، فتوارى سفيان، وطلبه محمد وأمر منادياً فنادى بمكة: من جاء بـ سفيان فله كذا وكذا، فلم يزل متوارياً بمكة لا يظهر إلا لأهل العلم ومن لا يخافه.
وعن أبي شهاب الحناط قال: بعثت أخت سفيان بجراب معي إلى سفيان، فقدمت فسألت عن سفيان فقيل لي: ربما قعد عند الكعبة فيما يلي الحناطين، فأتيته فوجدته مستلقياً فسلمت عليه فلم يسائلني تلك المساءلة، ولم يسلم علي كما كنت أعرفه، فقلت له: إن أختك بعثت معي بجراب، فاستوى جالساً وقال: عجل علي بها، فكلمته في ذلك، فقال: لا تلمني فلي ثلاثة أيام لم أذق فيها ذواقاً، فعذرته.
قال ابن سعد: لما خاف من الطلب -من أن يأخذوه للمهدي - خرج إلى البصرة ونزل قرب منزل يحيى بن سعيد، ثم حوله إلى جواره وفتح بينه وبينه باباً، فكان يأتي بمحدثي أهل البصرة يسلمون عليه ويسمعون منه.
يقول يحيى بن سعيد القطان: سفيان الثوري فوق مالك في كل شيء، قيل لـ سفيان الثوري: ما منعك أن ترحل إلى الزهري؟ قال: لم تكن عندي دراهم.
قال مهران الرازي: كنت عند سفيان الثوري فضاع مني كتاب الديات فذكرت ذلك له، فقال: إذا وجدتني خالياً فاذكر لي حتى أمليه عليك، فحج فلما دخل مكة طاف بالبيت وسعى، ثم لقيته فذكرته، فجعل يملي علي الكتاب باباً في إثر باب حتى أملاه جميعاً من حفظه.