[تفضيل العلماء على المجاهدين]
ويكفي أهل العلم شرفاً أنه عندما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى مكانة العلماء في طبقات المكلفين ذكر مسألة وهي: هل العلماء أعظم منزلة أم المجاهدون؟ وكلنا يعلم منزلة المجاهد عند الله عز وجل، وانتهى في بحثه وتحقيقه إلى أن العالم أفضل مكانةً من المجاهد، فإذا كانت الأبواب مغلقة تمنعك من الذهاب للجهاد ونصرة إخوانك في كل مكان فهناك أبواب مفتوحة فجاهد فيها، ومنزلتها أعظم، ولعل الله عز وجل يغير على يديك وبعلمك من يقود الأمة، فربما يقعد طفل صغير بين يديك لتعلمه وترشده وتثبته على طريق الحق، فيكون سبباً لهداية الأمة.
ونحن نذكر قصة الغلام الذي هداه الله عز وجل على يد راهب، فكان هذا الغلام سبباً لهداية الأمة كلها، حتى قال له الراهب: أي بني! إنك اليوم صرت أعظم مني وأفضل.
وهذا دليل على صدق هذا الرجل في تعليمه للغلام، ولم يدخله غيرة ولا حسد، ولكنه قال للغلام: أنت اليوم أفضل مني.
ولا يتسع الوقت لأن نحكي هذه القصص، فكلها والحمد لله قصص مشهورة، ولكن هذا الغلام كان سبباً هدى الله سبحانه وتعالى الناس على يديه بعدما وصل الأمر إلى الملك، ثم كان ما كان حتى قال الناس جميعاً: آمنا برب الغلام.
فأبواب الخير عند الله عز وجل كثيرة، ولا تدري من أي باب ينصر الله عز وجل دينه، فرب طفل صغير أو إنسان يتعلم على يديك يكون سبباً لنجاة الأمة، ويكون سبباً لفتح باب الجهاد في سبيل الله عز وجل، فلا تترك أنت هذا الباب، وباب العلم مفتوح والحمد لله، وكتب العلم كثيرة، والعلماء بين يديك فاجلس واطلب العلم.
وقد استدل ابن القيم في تحقيقه أن العلماء أعظم منزلة من المجاهدين بقوله صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء)؛ لأن الذي يرث الميت أقرب الناس إليه، فهم أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم ورثوا العلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم).
قال: وأيضاً فإن العالم في جهاد مستمر لا كالمجاهد في المعركة، بل حتى وهو نائم يجاهد، فحياته كلها في جهاد مع أهل البدع والفرق، ومع أهل الملل والنحل، فيرد الشبهات عن الأمة ويدفعها عنها.
وقد كانت الشبهات من قريب عن اللحية والنقاب والسواك، ولكن كثر الكلام الآن، فهم الآن يتكلمون في أصول الدين، وفي العقائد، وفي مصادر الإسلام، ويتكلمون عن البخاري ومسلم، وعن كتب السنة التي هي الأصول، ويتكلمون عن الشرائع، وعن الحج، كالذين يقترحون على الناس أن يقسم يوم عرفة على سبعين يوماً؛ من أجل الزحام.
ومنهم من يحاول أن يمنع الناس من أداء الحج والعمرة؛ بحجة أن هذه الأموال التي تنفق صرفها على الفقراء والمرضى أولى، ومن ثم لا يضيع اقتصاد الأمة، حيث تنفق في هذه الرحلة أكثر من مليار، ونحن محتاجون لها؛ إذ علينا ديون، ونسي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب)، ومن غير العلماء سيدفع عن الأمة هذه الشبهات إذا كان كل أحد فيها همه جمع الأموال ولا يشبع من المال الذي يجمعه، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو كان لابن آدم وادٍ من ذهب لتمنى أن يكون له ثانٍ، ولو كان له واديان لتمنى أن يكون له ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب).
وإذا رزقت القناعة فهذا هو الكنز الذي لا يفنى، فإنك إذا رزقت القناعة فلقمة من كسرة تكفيك، وإن لم ترزق القناعة فمال الأرض كله لا يكفيك، وستظل ترى الفقر أمام عينك.
ومن الشبهات: أن هناك من يقول: إن الهندوس بشر مثلنا، ولهم دين مثل ما لنا نحن دين، ولهم رب يرحمهم مثل ما لنا نحن رب يرحمنا، مع أنهم يتكلمون في العقائد وفي المسائل التي نقول عنها: إنها معلومة من الدين بالضرورة، ويعلمها العامي والعالم والصبي والصغير والكبير.
إذاً: فلابد من الصدق في طلب العلم، وبذل كل أوقاتنا وحياتنا في سبيله.
إن مجيئك إلى المسجد نعمة كبيرة جداً وفضل من الله واصطفاء واختيار منه عز وجل، فربنا اصطفاك من وسط هؤلاء الناس جميعاً لأن تكون في المسجد في طاعة لله عز وجل.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقني وإياكم الصدق في القول والعمل، وأن يجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.