تذكر الموت، واجعله منك على بال حتى يدوم خوفك، واجعل السكرات منك على بال، ومعاينة الرسل ومشاهدة ملك الموت، وتفكر في هذا، وما تقول له ولم تره من قبل، فهذا كائن لا محالة، وأمتنا آخر الأمم، ورسولنا صلى الله عليه وسلم آخر الرسل، وقد أسرع بإخبارنا فما ننتظر إلا المعاينة.
ويقول مطرف بن عبد الله -وهو من أئمة التابعين-: لقد كاد الخوف من النار أن يمنعني من سؤال الله الجنة.
يقول: غلب علي الخوف حتى كاد ينسيني سؤال الله عز وجل الجنة.
إن آخر من يخرج من النار كما جاء في الحديث الصحيح رجل يحبو حبواً، ثم يقول للمولى عز وجل:(يا رب! اصرف وجهي عن النار، لا أسألك شيئاً غير ذلك)، فيأخذ المولى تبارك وتعالى عليه العهد والميثاق -فمع هول ما هو فيه ينسى الجنة- وإنما يقول:(اصرف وجهي عن النار، لا أسألك شيئاً غير ذلك).
ويزيد بن مرثد يقول له عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: ما لي أرى عينك لا تجف؟ قال: وما مسألتك عن هذا؟ قال: عسى الله أن ينفعني بك، قال: إن ربي توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار، ولو لم يتوعدني إلا بالسجن في الحمام لكان حرياً ألا تجف لي عين.
يعني: إن ربي قد توعدني لو عصيته بالنار، ولو لم يتوعدني إلا بسجني في الحمام تحت دش ساخن قد علت درجة حرارته قليلاً لكان حرياً ألا تجف لي عين.
إن هذا الأمر ليعرض لي حين أسكن إلى أهلي فيحول بيني وبين ما أريد، وهو يعرض لي حين يقدم إلي الطعام فأبكي وتبكي صبيتي وزوجتي وتقول: ويحي وما اختصصت به من طول الحزن معك.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس الإسلام وأهله).