للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا)]

وقال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:١٧].

يعني: لا ينفع إطعام المساكين في الآخرة بدون إيمان وإسلام، والكافر وإن كان منفقاً في سبيل الخير فإن الله تبارك وتعالى يوفي إليه أجره في دار الدنيا، وليس له في الآخرة من نصيب، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لـ عدي بن حاتم: (أسلمت على ما أسلفت من خير) أي: أسلمت على ما كان منك من خير.

قوله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [البلد:١٧] يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (والصبر ضياء)، فالمؤمنون يوصي بعضهم البعض بالصبر، لا يوصي بعضهم البعض بالعجلة، يقول الله تبارك وتعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة:٢٤]، والصبر يكون على طاعة الله، وعلى الأقدار المؤملة، وعن معاصي الله تبارك وتعالى.

وقوله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:١٧] المرحمة: هي رحمة العباد، وتكاد أن تكون رسالة الإسلام في الرحمة، يقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧]، وما وإلّا من أساليب الحصر والقصر، يعني: رسالتك الرحمة ودينك الرحمة، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله إذا أحب شخصاً ألهمه الرفق، وإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على غيره).

ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف إذا انقيد انقاد، وإذا أنيخ على صخرة استناخ).

ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على أقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقاً: الموطئون أكنافاً اللينون).

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف).

والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: (في كل ذات كبد حرى أجر) يعني: لو أنك سقيت كلباً أو حيواناً وهو عطشان، فإن الله تبارك وتعالى يثيبه على ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من لا يرحم لا يرحم).

وسيدنا جبريل يقول للمصطفى صلى الله عليه وسلم: (لو رأيتني يا محمد وأنا أدس في فيه -يعني: في في فرعون- من حمأ البحر -أي: من طين البحر-؛ حتى لا تدركه رحمة الله تبارك وتعالى)، لأن فرعون لم يرحم الأطفال فقد كان يذبحهم، فلم يرحمه جبريل، فجعل يدس الطين في فمه حتى يموت قبل أن تدركه رحمة الله تبارك وتعالى.

ولما أخذ المؤمنون برأس الأمر وهو الصبر جعلهم الله رءوساً.