للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علو الهمة في الصلاة]

وفي باب الصلاة: تجد الأخ أول ما يلتزم مع الاتجاه الإسلامي مواظباً على صلاة الفجر في الصف الأول، ثم بعد مرور شهرين تجده متأخراً.

وفي الحركة الإسلامية ناس تفوتهم الركعة الأولى والثانية والثالثة، بل لو حضر الجماعة الأولى فقد كثر خيره، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي حسنه الألباني في صحيح الجامع: (من واظب على تكبيرة الإحرام أربعين يوماً كتبت له براءتان، براءة من النفاق وبراءة من النار).

وأما السلف فقد كانت أحوالهم عند الوضوء على أعلى الهمم، وكانوا يستحضرون فيه أنهم سيدخلون على حضرة الملك.

فـ علي زين العابدين كان إذا توضأ اصفر وجهه وارتعد وكان يقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقف؟ وذلك من شدة خشوعهم في صلاتهم.

وعبد الله بن الزبير كان يسمى حمامة المسجد، وكان إذا ركع أو سجد أتى الطير فحط على ظهره من شدة خشوعه.

ومنصور بن المعتمر كان يقوم الليل على سطح بيته، وكانت بنت الجيران تصعد فتجد شيئاً منصوباً تظنه خشبة، فلما مات منصور بن المعتمر فقدت الخشبة، فقالت لأمها: يا أماه! المشجب الذي كان على سطح جارنا أين ذهب؟ فقالت لها: ذاك المشجب قد مضى إلى ربه.

فـ منصور بن المعتمر هو ذاك المشجب، وقد مضى إلى ربه.

ولما سئل أبو زرعة الرازي عن حكم الكتابة في المحاريب قال: قد كرهها قوم، فقالوا: هناك كتابة في محراب مسجدك، قال: إني منذ ٢٠ سنة أصلي في هذا المسجد لا أشعر أن هناك كتابة.

وسعيد بن المسيب يقول: منذ أربعين سنة ما فاتتني تكبيرة الإحرام في المسجد.

والربيع بن خثيم يقول: والله إني لآنس بصوت عصفور المسجد أشد من أنسي بزوجتي.

وأحدهم كان في صلاته، فضاعت له مخلاة فيها شعير، فجعل يفتش عنها فلم يجدها ولم يجدها الخادم، وبعد أن قضى صلاته قال: المخلاة في المكان الفلاني، فقال: أعد صلاتك؛ فإنك كنت تفتش عن المخلاة.

والعبد اليوم يستوفي مكيال شهواته ولا يطفف فيها، ثم يطفف في مكيال دينه وصلاته.

فإذا هانت عليك صلاتك فأي شيء يعز عليك من دينك؟ قال تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} [هود:٩٥].

وإمام من أئمة السلف وهو الربيع بن خثيم خرج في غزاة ومعه غلامه يسار، فخرج يحتش بالفرس وقام الربيع بن خثيم إلى صلاته، فسرقت الفرس، ولما أتى الغلام قال: يا سيدي! أين الفرس؟ قال: سرقت، قال: سرقت وأنت تنظر إليها؟ قال: ما كان هناك شيء يشغلني عن الصلاة.

ثم قال بأدبه: اللهم إنه سرقني ولم أكن لأسرقه، اللهم إن كان غنياً فاهده، وإن فقيراً فأغنه.

وكان عمر بن الخطاب ينعس من قيام الليل وهو قاعد، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ألا ترقد؟ ألا تنام؟ فيقول: وكيف لي بالرقاد، إن نمت بالنهار ضيعت مصالح الرعية، وإن نمت بالليل ضيعت حظي مع الله.

وكأن لسان حاله يقول: لست أدري أطال ليلي أم لا كيف يدري بذاك من يتقلى لو تفرغت لاستطالة ليلي أو لرعي النجوم كنت مخلا والصحابي الجليل أبو ريحانة كان في الغزو، ولما رجع من الغزو أعدت له زوجه طعاماً للعشاء، فأكل، ثم صف قدمه في محرابه إلى الصباح، ثم أخذ مخلاته وذهب إلى الجيش، فأمسكته زوجه وقالت له: يا أبا ريحانة! غزوت ثم عدت، أفما كان لنا فيك نصيب؟ قال: والله لو خطرت لي على بال لكان لك في نصيب! بعدما غاب شهرين أو ثلاثة عن زوجته يقول لها: لو خطرت لي على بال.

قالت: يرحمك الله! وما الذي يشغلك عنا؟ قال: إني نظرت في كتاب الله عز وجل وإلى ما أعد الله عز وجل لعباده في الجنة من سندسها وإستبرقها فذاك الذي شغلني عنك.