[قيام الليل عند السلف]
وكان للصحابة أمور عجيبة في قيام الليل، واليوم يأتي شخص ويقول: والله أنا أخ سلفي، ولكن شغلي الحديث والعلل والمتون والأسانيد وتحقيق الكتب عن قيام الليل، وليس عندي وقت لقيامه.
فنقول له: هل أنت أحسن من أبي هريرة، فإنه اتخذ الليل جملاً هو وخادمه وزوجته: ثلث يصليه الخادم، وثلث يصليه هو، وثلث تصليه زوجته، فإذا جلس إلى الشروق بعد الفجر كان له ١٢.
٠٠٠ ألف تسبيحة.
قال الأرنؤوط: صحيح.
وكان مع ذلك من أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الجفاف الذي عندنا فهذا من مطالعة الكتب، وإذابته يكون بالذكر وبقيام الليل.
ومسروق بن عبد الرحمن المفسر الجليل تقول عنه زوجه: كان يقوم الليل، وما كان يأتي صلاته إلا زحفاً كما يزحف البعير، وإن قدماه لمنتفختان من أثر القيام، وكنت أجلس خلفه أبكي له رحمة مما يصنع بنفسه.
والإمام الأوزاعي إمام أهل الشام دخلت امرأة ذات صباح على زوجته فوجدت بللاً في مصلى الشيخ على السجادة التي يصلي عليها، فقالت لها: ثكلتك أمك! تركت الصبيان حتى بالوا في مصلى الشيخ، فقالت: والله ما هذا بول الصبيان، وإنما دموع الأوزاعي.
وهذه امرأة تأتي بابنها وتريه حفره في البيت وتقول له: هذا موضع دموع أبيك.
أي: إن أباه كان يبكي هنا حتى عمل حفرة لدموعه.
وإن تعجب فاعجب من عمر بن الخطاب الذي كان في وجهه خطان أسودان من كثرة البكاء! نزف البكاء دموع عينك فاستعر عيناً لغيرك دمعها مدرار من ذا يعيرك عينه تبكي بها أرأيت عيناً للدموع تعار وابن الأثير لما ترجم لـ نور الدين محمود زنكي الذي دوخ الصليبيين قال عنه: كان مدمناً لقيام الليل.
وهذا غير المدمن على الأفيون والهروين والكوكايين المخرب للبيوت.
يقول: وكذلك كانت زوجه عصمة الدين بنت الأتابك خاتون.
كذاك الفخر يا همم الرجال تعالي فانظري كيف التعالي أفما لك بالرجال أسوة؟ أتسبقك امرأة وأنت رجل؟ وعصمة الدين هذه زوجة نور الدين محمود زنكي قامت ذات ليلة غضبى من نومها، فسألها عن سر غضبها -ألأنه لا يوجد دقيق جاء من إيطاليا، أم لم يأت لباسها من بيوت الأزياء في باريس- فقالت: فاتني ورد البارحة، فلم أصل من الليل شيئاً، فأمر بصنع طبلقانة تضرب للناس لمن يريد أن يقوم في السحر.
فلما مات عنها نور الدين محمود زنكي تزوجها صلاح الدين الأيوبي، فامرأة كهذه لا تكون إلا تحت صلاح الدين الأيوبي أو نور الدين محمود زنكي.