[وصف أنهار الجنة والحور العين]
أما من أين تفجر الأنهار؟ ومجراها يكون على ماذا؟ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الجنة مائة درجة ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، أوسطها وأعلاها الفردوس، ومنه تفجر أنهار الجنة).
فأنهار الجنة آتية من على بعد مائة عام من السماء، ما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، فخمسمائة في مائة بخمسين ألف سنة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الذين في أرض الجنة) يعني: في أقل درجات الجنة (لينظرون إلى أهل الغرف سكنى كما تنظرون أنتم إلى النجم الغابر في الأفق لتفاضل ما بينهم).
أما قال الله عز وجل: {وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء:٢١]، أما ترى أهل الدنيا غرقى في النعيم فما ظنك بالآخرة؟ {وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء:٢١].
وهذه الأنهار تجري على مسيرة خمسين ألف سنة من أعلى، ثم تنزل تحت القصور، وهذا معنى قوله: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [البقرة:٢٥] ثم تصعد مرة ثانية إلى أهل الغرف.
فلو أن عندك نبع ماء يجري فإنه يتبعثر ولن تنتفع به، لكن أنهار الجنة قال الله تبارك وتعالى عنها: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} [الواقعة:٣١] قال أنس: تجري في غير ما أخدود تجري فيه، أي: ليس لها أخدود تجري فيه.
فسبحان مثبت العقول.
(أمسك الله حافتيها بقباب اللؤلؤ المجوف)، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومجرى هذه الأنهار ليس على الطين، وإنما على المسك الأذفر، قال مجاهد: تخرج الحور العين إلى شواطئ أنهار الجنة فيغنين، فيخرج إليهن أولياء الله عز وجل، فإذا أعجب الرجل منهن بواحدة لمسها بمعصمه فتتبعه، فتنبت مكانها من النهر جارية أخرى، فأنهار الجنة تنبت الأبكار لا تنبت الحشائش.
لبن وعسل وخمر وماء؛ لبن لم يحلب من الأبقار، وعسل لم يجن من الأزهار، وخمر لم يعصر بيد الخمار، وإنما يجري على رضراض الأنهار برحمة العزيز الغفار.
في هذه الأنهار طيور كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أعناقها كأعناق البخت) أي: مثل أعناق الجمال الخراسانية.
فقال سيدنا عمر: (ما أنعمها يا رسول الله! قال: أكلتها أنعم منها)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد الحوت).
قلنا: إن في الجنة خمراً ولكن ليس كخمر الدنيا تغتال العقول، وإنما خمر لذة للشاربين، لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون، إنما يجتمعون حولها، فلا تزيدهم إلا صحواً، رائحتها كرائحة المسك.
أنت القتيل بكل من أحببته فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي والحور العين هن أزواج أهل الجنة، قال الله عز وجل: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان:٥٤] قال العلماء: الباء زائدة هنا من الناحية البلاغية تفيد أن الزواج ليس زواجاً حقيقياً، وإنما الحور العين تقوم بمثابة ملك اليمين، أي: بمثابة الخادمة، وزوجتك من بنات الدنيا تكون بمثابة السيدة لها؛ لأن أماكن الوضوء لها تشع نوراً يوم القيامة.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحور العين: (أدنى لؤلؤة في تاجها تضيء ما بين المشرق والمغرب).
لو تعثرت لتزين لها ما بين الخافقين، لو برز بنانها لأذهب ضوء الشمس والقمر، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقاب قوسين أو موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها).
وفي رواية: (خير مما بين السماء والأرض).
ولقد صورهن القرآن بأجمل وصف حسي، إذ من الممكن أن ينظر الرجل إلى وجه المرأة فيرى وجهه في صفحة خدها، وينظر الرجل فيرى مخ ساقها من خلف سبعين ثوباً من إستبرق لشفافية لونها.
قد يقول لك شخص: أنا عشت طوال حياتي لا أسمع غناءً، وأنزه سمعي عن هذا اللغو الباطل، لكن في الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الحور العين لتغنين في الجنة يقلن: نحن الحور الحسان خبئنا لأزواج كرام).
وكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط، إن مما يغنين: نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام ينظرن بقرة أعيان.
وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يمتن، نحن الآمنات فلا يخفن، نحن المقيمات فلا يطعن).
هذا غناء الطاهرات، تقول لزوجها: طال اشتياقي إليك يا ولي الله!