[منزلة الإمام أحمد بن حنبل عند العلماء المعاصرين له]
كان شيخه يزيد بن هارون كثير المداعبة والمزاح، فما كان يترك المزاح إلا في حضور الإمام أحمد فكان يترك المزاح أدباً، وكان يوقره ولا يمازحه.
قال قتيبة: وأشار إلى أحمد بن حنبل: إذا رأيت رجلاً يحب أحمد فاعلم أنه صاحب سنة، ولو أدرك أحمد سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد لكان هو المقدم عليهم.
وقيل لشيخه قتيبة بن سعيد: يضم أحمد إلى التابعين، قال: إلى كبار التابعين، لولا أحمد لأحدثوا في الدين، أحمد إمام الدنيا بأسرها.
وقال الشافعي: خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى من أحمد بن حنبل والإمام أحمد بن حنبل قال عن شيخه الشافعي: ما من رجل مس محبرة ولا تناول قرطاساً إلا وللشافعي في عنقه منة ودين، كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن؛ فانظر هل عن هذين من عوض؟ هذا أدب الشيوخ وأدب التلامذة مع شيوخهم.
وقال إسحاق بن راهويه رحمه الله: أحمد حجة بين الله وبين خلقه.
وقال علي بن المديني: أحمد أفضل عندي من سعيد بن جبير في زمانه؛ لأن سعيداً كان له نظراء -أي: ناس أمثاله في العلم- ولم يكن لـ أحمد نظراء.
وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام حافظ الحديث: إني لأتدين بذكر أحمد بن حنبل، ما رأيت رجلاً أعلم بالسنة منه، وكان أهل الحديث الحفاظ في مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة فجعلوا يذكرون الإمام أحمد فقال رجل بعض هذا: أنتم كل جلسة تقضونها في ذكر أحمد بن حنبل أو ماذا؟ فقال يحيى: وكثرة الثناء على أحمد تستنكر؟ لو جلسنا مجالسنا بالثناء عليه ما ذكرنا فضائله بكمالها.
وقال ابن معين الإمام العظيم: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، وقال: ما رأيت من يحدث لله إلا ثلاثة: يعلى بن عبيد والقعنبي الراوي عن الإمام مالك وأحمد بن حنبل رحمه الله، كان الإمام أحمد أفضل أهل زمانه.
وقال أبو داود: كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا، ما رأيته ذكر الدنيا قط، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} [ص:٤٦] يعني: ما كان لهم هم ولا شاغل إلا الكلام عن الآخرة، لا يعرفون شيئاً من أمور الدنيا.
قال الشافعي: لو كُلِّفت شراء بصلة من السوق ما استطعت أن أعي مسألة من مسائل العلم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من جعل الهم هماً واحداً كفاه الله سائر همومه).
وكان الإمام أحمد يرهن نعله، ولم يشتر نعله بخمسة وسبعين جنيهاً، أو أكثر، إنما هي نعل استمر في استخدامها ست عشرة سنة كما قال ابن الجوزي ورهنها يتقوت بها.
قال الحميدي: ما دمت بالحجاز وأحمد بالعراق وابن راهويه بخراسان لا يغلبنا أحد، يعني: لا يغلبنا أحد من المبتدعة، كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة.
قال أبو عمير بن النحاس الرملي عن الإمام أحمد رحمه الله: ما كان أخبره بالدنيا، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه، عُرضت له الدنيا فأباها والبدع فنفاها.
قال علي بن المديني: أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أحدث إلا من كتاب، وأنظر إلى أدب الكبار مع الكبار.
وهذا الإمام البخاري يقول: أشتهي أن أدخل بغداد فيحدثني علي بن المديني وأحدثه، وقال: ما استصغرت نفسي بين يدي عالم قط إلا بين يدي علي بن المديني، وعلي بن المديني هذا يقول عن الإمام أحمد: أمرني سيدي أحمد بن حنبل أن لا أحدِّث إلا من كتاب.