للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أداء النوافل والمحافظة عليها]

السبب الثاني: أداء النوافل بعد الفرائض، فإنها ترفعك من مقام المحب إلى مقام المحبوب، كما قال الله تبارك وتعالى: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)، ولا يعقل أن يقوم شخص الليل ثم ينام عن صلاة الفجر! إن النوافل جاءت لجبر الفرائض، ورفعة الدرجات، وحال الإنسان الذي لا يهتم بالفرائض ويهتم بالنوافل كحال رجل عليه وحل يقول لك: ضع علي مسكاً، أنت بحاجة إلى أن تغتسل ببرميل ماء، حتى ينزل الوحل الذي عليك، ثم بعد ذلك يطيبونك بالمسك! فلا تنفع النوافل إلا بعد الفرائض، فتأتي بالفرائض كاملة ثم تأتي بنوافل الصلاة والصيام والصدقات والحج والعمرة، نوافل الصلاة كالسنن الرواتب أو التطوع المطلق أو التطوع المقيد، تصلي اثنتي عشرة ركعة يبني الله لك بها بيتاً في الجنة.

ثم التطوعات كصلاة الضحى التي لا يحافظ عليها إلا أواب، والتطوع المطلق كقيام الليل والمحافظة على الوتر، قال الإمام أحمد: من واظب على ترك الوتر فهو سفيه ترد شهادته.

فكيف بالذي لا يصلي الفجر ولا الظهر ولا العصر؟! من واظب على ترك الوتر فهو سفيه ترد شهادته.

هناك أيضاً سنن وتطوعات في الصيام كصيام الإثنين والخميس، وصيام يوم عرفة وصيام عاشوراء وتاسوعاء، وصيام الثلاثة الأيام البيض، وهناك تطوع مطلق بعد ذلك كما قال أهل العلم، كصيام يوم في الشهر أو يومين أو ثلاثة أيام من أول الشهر، أو يوم كل عشرة أيام، أو السبت والأحد والإثنين من شهر، كما كانت تفعل السيدة عائشة، والثلاثاء والأربعاء والخميس من شهر.

صيام أربعة أيام، يوم خمسة وسبعة وتسعة وعشرة وأحد عشر، كل هذا ثابت، كما جاء في سنن النسائي وابن خزيمة وسنن أبي داود، وكذلك صيام يوم وإفطار يوم أو صيام يوم وإفطار يومين.

ثم صدقة التطوع بعد الزكاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين في الجنة) إذا أردت أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك، فامسح رأس اليتيم، وادنه منك وأطعمه من طعامك، واسقه من شرابك، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله).

كذلك أن يتطوع الإنسان بجاهه فيخدم المسلمين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس عند الله أنفعهم للناس)، قد لا يكون عندك المال، ولكن جاهك قد ينفع بعض المسنين: (اشفعوا تؤجروا) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

كذلك التطوع بما هو خير من المال، وهو تعليمك الناس لكتاب الله عز وجل، وتعليمك للقرآن، وتعليمك الناس العلوم الشرعية النافعة، وما يفيدهم في دينهم ودنياهم، فهذا تطوع بالإنفاق، ثم بعد ذلك التطوع بالحج والعمرة وغيرها من النوافل.

فالحرص على أداء النوافل بعد الفرائض يوصلك إلى درجات من القرب لا يعلمها إلا الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (من تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً) وسكت، وما بعد الباع لم يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، فهي درجات من القرب لا يستوعبها العقل، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله: خلِّ الهوى لأناس يعرفون به قد كابدوا الحب حتى لان جانبه ويقول المولى عز وجل: (ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)، ومن أتاه هرولة ماذا يكون الجزاء؟ درجات من القرب لا يحيط بها العبد، من تقرب إلي بالجوارح (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها).

فمن تقرب إلي بكليته بروحه بقلبه بكل ما عنده ماذا يكون الجزاء؟ يقول الشاعر: ما زلت أنزل من ودادك منزلاً تتحير الألباب عند نزوله فهذا القرب لا تحيط به العقول، والله عز وجل فوق عرشه، وهو قريب من محبيه: (إن لله أهلين من الناس قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته).