[مطالعة القلب لأسماء الله وصفاته]
السبب الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته: قال العلامة ابن القيم: وهذا أشرف أنواع العلوم وأجلها على الإطلاق، تدبرك ومعرفتك، والمعرفة أخص من العلم؛ لأنها إدراك العلم بعد تفكر وتدبر، المعرفة يا إخوة فعل القلب، روى الإمام البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية) قال: المعرفة فعل القلب، فرق بين المعرفة والعلم، إنها علم مقرون بعمل.
تدبر أن لك رباً استوى على العرش يدبر أمر الممالك، يأمر وينهى، يعز ويذل، يداول الأيام بين الناس، يقلب الليل والنهار، له الملك كله، وله الحمد كله، وإليه يرجع الأمر كله، قلوب العباد إليه مفضية، والغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية، يعلم ما كان وما هو كائن، وما لم يكن لو كان كيف يكون، هو أحق من حمد، وأولى من شكر، وأرأف من ملك، وأعز من استنصر، ينادى على باب عزته، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ويصاح على محجة حجته: {لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون:٨٤] ينزل جاسوس علمه {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:٧] يترنم وينشد بفضله {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:٥٣] يقول سبحانه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:٣٤].
وباب الأسماء والصفات سيدنا الشيخ فوزي بحر، له خطب كثيرة في هذا الباب.
ثم بعد ذلك مطالعة ومشاهدة نعم الله عز وجل وبره وآلائه وإحسانه، فمن رحمة الله عز وجل أن الإسلام لا يشترى، يعني: لو كان الإسلام يشترى مثل الشقق، فلن يحصل عليه كثير من الناس، يعني: لو ثبت أن الإسلام يشترى بعشرين ألف جنيه، لكان كثير من الناس سيفوتهم الإسلام.
ولو سوينا مسابقة في العقول، والذي يبقى له نسبة (٦٠%) يكون مسلماً، لكان هناك أناس كثيرون سيفوتهم، لأنهم لا يفهمون النصوص والأحكام.
رجاء الجارودي يبحث عن الإسلام مدة سبعين سنة، ولما دخل الإسلام دخل من باب وحدة الأديان، وأنت -ولله الحمد- تموت على ما ماتت عليه عجائز نيسابور، رحمة من الله تبارك وتعالى أن أرسل إليك رسوله، فالله أخبر بأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، وأنزل إليك كتابه، وأعطاك مئونة السفر إلى الجنة، وأعطاك سمعاً وبصراً وفؤاداً، وطرد إبليس من جنته إذ لم يسجد لأبيك وأنت في صلبه: كم عدو حط منك للذنب فرقاك؟ كم أعطش من شراب الأماني خلقاً وسقاك؟ كم أمات بعض من لم يبلغ مرادك وأبقاك؟ أعطاك أيتها النفس ما لم تأملي، وبلغك ما لم تطلبي.
كل هذا من نعم الله عز وجل، غير النعم الموجودة في الكون من تسخير الكائنات والحيوانات، فإنه سخر الإبل حيث إن الطفل الصغير يذهب بالجمل إلى المزارع ثم يعود به، ولكن لم يسخر لك الثعبان فلا تستطيع أن تلمسه، ولم يسخر لك الذئب فلا تستطيع أن تأتي بالذئب وتدخله بيتك مثل الجمل.
هذه من نعم الله تبارك وتعالى، وهي نعم كثيرة يعطيها لك الله تبارك وتعالى، يقيم الصالحين من عباده وأنبيائه يستغفرون لك وأنت لم تخلق بعد، سيدنا إبراهيم يدعو لك، وسيدنا نوح يدعو لك، حيث قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح:٢٨].
سيدنا رسول الله يدعو لك، قال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:١٩] من أنت؟! ما قدرك؟! أنت إذا بعدت عن طريق الله عز وجل لا تساوي حشرة في ملك الله، فالنحلة أعلم بما يخرج من بطنها، وأنت أعلم بما يخرج من بطنك.
فما الذي بعد ذلك إلا انكسار القلب وذله بين يدي الله عز وجل وإخبات القلب على عتبة العبودية، أن تفنى عن حقك وعن قدرك، أن تنظر إلى نفسك بعين النقص وإلى مولاك بعين الكمال، تقول لله عز وجل: أسألك بغناك عني وفقري إليك، أسألك بعزك وذلي، إلا رحمتني، هذه ناصية خاطئة كاذبة بين يديك، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل.
ترى أن ما حباك الله تبارك وتعالى إنما هو محض منة وفضل منه عز وجل، وأنك بالله لا بنفسك: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور:٢١].