أما لسان الصدق فهو ما يبقيه الله عز وجل من الثناء بعد موت الصالحين، فإن الذرات تنطق بصدقهم بعد أن رحلوا عن الدنيا، كما يقول القائل: كم الفرق بين أناس موتى تحيا القلوب بذكرهم، وأناس أحياء تموت القلوب برؤيتهم؟! فيبقي الله عز وجل اللسان العطر، والثناء والمدائح لـ ابن حنبل وبشر بن الحارث الحافي ولغيرهما من العباد ومن الزهاد ومن علماء المسلمين.
فـ بشر بن الحارث الحافي هذا الإمام العظيم الذي قال لما سئل عنه الإمام أحمد قال: مثله مثل رجل ركب على رمح، فهل أبقى مكاناً لغيره، ولما خرجوا بجنازته خرجوا به بعد الفجر وبعد الصلاة عليه، فوالله! ما وصلوا إلى قبره إلا بعد صلاة العشاء، حتى بكى علي بن المديني شيخ البخاري وصاح: هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة، هذا عز الدنيا قبل عز الآخرة.
يقول الشاعر عن الصادقين: والناس موتى وهم يحيون في المقل يعني يحيون في حبات الأعين.
وكما جاء في الأثر: أن الجبل ينادي باسم الصادق: هل مر بك ذاكر لله عز وجل؟ فقال: نعم، قال: أبشر.
بل أكثر من هذا، فإن الجماد يعرف الصادق من الكاذب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مروا عليه بجنازة:(مستريح أو مستراح منه! قالوا: يا رسول الله! ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: المستريح العبد المؤمن؛ يستريح من تعب الدنيا ومن نصبها إلى رحمة الله عز وجل، والمستراح منه العبد الفاجر تستريح منه البلاد والعباد والشجر والدواب)، إذاً: حتى الشجر والجماد والدواب تعرف الصادق من الكاذب: تحيا بكم كل أرض تنزلون بها كأنكم في بقاع الأرض أمطار وتشتهي العين فيكم منظراً حسناً كأنكم في عيون الناس أقمار لا أوحش الله ربعاً من زيارتكم يا من لهم في الحشا والقلب تذكار كم قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ساحر كذاب وإنه مجنون، بعدما كانوا يلقبونه بالصادق، فلما جاءهم بأمر الله قالوا عنه أنه كذاب، وقد صدقت بنبوته الجمادات: والحق أبلج لو يبغون رؤيته هيهات يبصر من في ناظريه عمى وصرخة الحق تأباها مسامعهم من يسمع الحق منهم يشتكي الصمما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).