يذكر التاريخ أيضاً أن هناك قواد وأمراء وقفوا أمام المد الصليبي سواء من الغرب أم من الشرق، منهم هارون الرشيد، الخليفة البكاء المفترى عليه، الذي كان يغزو عاماً ويحج عاماً، وقد فدى أسرى المسلمين مرتين: المرة الأولى كانت عام ١٨١هـ فدى فيها من أسرى المسلمين ٣٧٠٠ أسير، والمرة الثانية كانت سنة ١٩٢هـ فدى فيها من المسلمين ١٥٠٠ أسير، ولم يبق في ديار الروم أسير واحد من المسلمين، والخليفة هارون الرشيد هو الذي فتح حصن الصفافي عنوة سنة ١٨١هـ، ومما يذكر في التاريخ أن نقفور ملك الروم أرسل إليه خطاباً قال فيه: من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ -والرخ طائر كبير يرتفع في السماء- وأقامت نفسها مقام البيدق، فحملت إليك من أموالها -أي من أموال الروم- ما كنت حقيقاً بحمل أمثالها إليها، ولكن ذاك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتد نفسك وإلا فالسيف بيننا وبينك.
فلما قرأ هارون الرشيد الكتاب استفزه الغضب حتى لم يمكن لأحد أن ينظر إليه ويخاطبه، واستعجم الرأي على الوزير ماذا يكتب، فدعا الرشيد بدواة وكتب على ظهر كتاب ملك الروم: من هارون ملك العرب، إلى نقفور كلب الروم أما بعد: يا ابن الكافرة! فالجواب ما ترى دون ما تسمع، ثم انطلق بجيش ضخم وأدب ملك الروم وألزمه الجزية.
هكذا كان هارون الرشيد الخليفة المفترى عليه، فأين القائلون أنه صاحب ألف ليلة وليلة، وأن هارون كان يتعاطى الخمر، والحق أن هارون ما كان يشرب إلا نبيذ التمر؛ لأن مفتيه كان حنفي المذهب وهو أبو يوسف القاضي، وكان يبيح نبيذ التمر، وقد عرف عنه أنه كان بكاء، وذكر أن مجموع ما كان يصليه هارون الرشيد في اليوم والليلة مائة ركعة.