الصلاح يعلي من قدر الإنسان ولو كان عبداً خادماً
وقبل أن تنظر إلى فكر هذا وفكر هذا، وإلى نهار هذا ونهار هذا، وليل هذا وليل هذا، وزوجة هذا وزوجة هذا، وطفل هذا وطفل هذا، وسماع هذا وسماع هذا، والصفات الخلقية العظيمة لهذا والصفات الذميمة لهذا، وجار هذا وجار هذا، انظر لخادم هذا وخادم هذا، أي: الخدام في بيوت الصالحين وفي بيوت العصاة، فهذا عنده خدامة سيلانية بالدولار، والثاني خادمه سالم مولى أبي حذيفة، والسيدة عائشة تحتبس ليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: (ما حبسك عنا يا عائشة؟ فقالت: رجل حسن الصوت يتهجد بكلام الله عز وجل، فيخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا هو بـ سالم مولى أبي حذيفة، فيقول له: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك).
ولما كان يوم اليمامة وانكشف صف المسلمين أمسك سالم براية المسلمين، فقالوا: يا سالم! إنا نخشى أن نؤتى من قبلك.
قال: بئس حامل القرآن إذاً أنا، ثم أمسك اللواء بيمينه فقطعت يمينه، ثم أمسك اللواء بيساره فقطعت يساره، فضم اللواء إلى عضديه وهو يتلو قول الله عز وجل: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:١٤٦].
والخادم في البيت المسلم مثل أبي العالية رفيع بن مهران كان يختم القرآن يومياً حتى نهاه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فجعل يختمه كل ثلاث.
والخادم في البيت المسلم مثل: سعيد بن جبير مولاهم، والحسن البصري مولاهم، وطاوس بن كيسان اليماني مولاهم، وعطاء بن أبي رباح مفتي الحرم، فهم سادة، نعالهم فوق جباه أبناء الدنيا جميعاً.
وأبناء الآخرة تخدمهم الملوك، وقد كان عطاء بن أبي رباح وهو عبد، وكان مفتي مكة، وأعلم الناس بالمناسك، وكان عبد الملك بن مروان يأتي به فيرفعه على سريره وقريش تحته يعلمهم، وكان عطاء بن أبي رباح أعور أفطس الأنف أشن أعرج أسود، ثم بعد ذلك عمي، ورغم هذا كله كان سيد الناس، وكنت إذا نظرت إليه لا تأبه له، فإذا تكلم علمت أنه مؤيد، وكأنما تنطق على لسانه الملائكة، هذا عطاء بن أبي رباح.
وكذلك كان الحسن البصري، فهؤلاء كانوا موالي، وكانوا عبيداً.
فأبناء الآخرة تخدمهم الملوك والخلفاء، فالشيخ ابن باز حمل نعشه أمراء السعودية.
وأبناء الدنيا تخدمهم الإماء والعبيد، وانظر عندما يكون خادمك عبداً ولا يكون ملكاً.
أنت القتيل بكل من أحببته فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي.
(ولا يجعل الله من أسرع إليه كمن أبطأ عنه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.