[نماذج من خوف التابعين من الله عز وجل]
وعلي زين العابدين رضي الله عنه ابن الإمام الحسين كان إذا توضأ اصفر وجهه، ولما يسأل عن ذلك يقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقف؟ وهبت نار عظيمة أتت على أكثر المسجد ففزع منها الناس، فلم يفزع ولم يترك صلاته، وقال: شغلتني النار الكبرى.
والربيع بن خثيم حفر قبراً في منزله، وكان ينزل فيه في اليوم مرات، ويقول: يا ربيع! ها قد خرجت، فاعمل لقبر إن نزلت فيه تقول: رب ارجعون، إلى يوم القيامة ولا يستجاب لك.
وربعي بن خراش -أحد رواة الكتب الستة- يقسم ألا يراه الله ضاحكاً حتى يعلم أي الدارين داره، يقول غاسله: فلما مات تبسم، ولما كان على المغسلة تبسم، ولما وضعناه في قبره تبسم.
وهذه كرامة ثابتة.
وكذا يزيد الرقاشي قال عنه الحسن البصري: آلا على نفسه ألا يضحك حتى يعلم مصيره.
قال: فعزم على ذلك فوفى.
والحسن البصري سيد البكائين وصفوه فقالوا: كان إذا تكلم فكأنه شاهد الآخرة، ثم جاء من الآخرة يخبر الناس عنها.
وقالوا: كان إذا قدم فكأنما قدم من نفس حميم الله، وإذا جلس فكأنما هو أسير يستعد لضرب العنق، وإذا بكى فكأن النار لم تخلق إلا له.
وكان يبكي ولما سئل عن سبب بكائه وقيل له: يا أبا سعيد! ما يبكيك قال: وما يؤمنني أن يكون الله قد اطلع علي في بعض ذنوبي فقال: افعل ما شئت فلا غفرت لك.
ويقول: أخاف أن يطرحني في النار غداً ولا يبالي.
وإن كانت الأنبياء يقولون يوم القيامة: (إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله) فقد كان يبكي الحسن ويقول: أخاف أن يطرحني في النار غداً ولا يبالي.
ويقول: والله! لا يؤمن أحد بهذا القرآن إلا ذبل، وإلا نحل، وإلا تعب، وإلا ذاب.
وعندما قال له رجل: كيف حالك يا أبا سعيد؟! قال: كيف حال قوم ركبوا سفينة فلما توسطوا البحر تكسرت السفينة وتعلق كل منهم بخشبة؟ قال: في حال شديدة.
قال: حالي والله! أشد من حال هؤلاء.
وكان صائماً فقدم له ماء ليفطر عليه فلما رآه بكى، فقيل له: لم؟ قال: تذكرت أمنية أهل النار، وقولهم لأهل الجنة: {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:٥٠].
أما طاووس بن كيسان سيد العباد، وسيد أهل اليمن، وتلميذ سيدنا عبد الله بن عباس كان إذا مر برواس -الرجل الذي يشوي الرءوس- ووجده قد أخرج رأساً مشوياً غشي عليه، ولا يأكل أولا يتعشى تلك الليلة، وكان إذا أتى إلى مضجعه يقول: طير ذكر جهنم نوم العابدين، ثم يستقبل محرابه إلى الصباح.
أما سفيان الثوري -أمير المؤمنين في الحديث- فكان عجب عجاب، قال عنه الإمام أحمد: سفيان عندي هو الإمام، كان إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم، وكان إذا ذكر الموت لا ينتفع بعلمه أياماً، ويقول: لا أدري، لا أدري.
وحمل بوله إلى طبيب في مرضه الأخير فقال: هذا ماء رجل قد أحرق الخوف جوفه، وكان يقول: خفت الله عز وجل خوفاً أعجب كيف ما مت منه، وكان إذا جلس يجلس فزعاً مرعوباً ويقول: اللهم سلم، اللهم سلم.
ويقول عبد الرحمن بن مهدي -شيخ الإمام أحمد -: ما صاحبت رجلاً في الناس أرق من سفيان، كان يقوم من نومه فزعاً مرعوباً ويقول: اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم، وإن حاجة سفيان أن تغفر له ذنبه، اللهم لو كان لي عذر في التخلي عن الناس ما أقمت مع الناس طرفة عين.
ولما سئل سفيان عن سر بكائه قال: لو أعلم أني أموت على التوحيد ما بكيت، وقال: بكينا على الذنوب زماناً، ونحن الآن نبكي على الإسلام، وقال سهل بن عبد الله التستري: خوف الصديقين من سوء الخاتمة ومن مكر الله عز وجل عند كل خطوة وعند كل حركة، وهم الذين عناهم الله عز وجل بقوله: {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:٦٠]، فـ سفيان الثوري الإمام المعظم المبرز يقول: بكينا على الذنوب زماناً، ونحن الآن نبكي على الإسلام.
يخشى أن يموت على غير الإسلام.
سفيان الثوري يقول لرجل: تعال لنبكي على علم الله فينا، وماذا سبق القضاء لنا في أم الكتاب، أي: في اللوح المحفوظ، أشقي أم سعيد؟ وليس سوء الخاتمة فقط، وإنما يخافون مما سبق في علم الله لهم، أأشقياء أم سعداء؟ ومسعر بن كدام يبكي ويطول بكاءه، فتقول له أمه: لم البكاء يا مسعر؟ فيقول لها: لما ننتظر.
فتقول: وما هو يا بني؟! فيقول لها: القيامة وما فيها، القيامة وما فيها.
وأتى مالك بن مغول إلى سفيان الثوري فبكيا حتى رقا، حتى قال سفيان: ما أحب أن أقوم من مكاني حتى أموت، فقال له مالك بن مغول: ولكني والله! لا أرضى ذلك -أي: لا أحب ذلك- قال له سفيان: ولم؟ قال: معاينة الرسل، -أي: رؤية ملك الموت وملائكة العذاب أو ملائكة الرحمة- ولم ترهم من قبل، وخوف السكرات، واصطكاك الأسماع، واختلاف الأضلاع، وترادف الحشارج، وتتابع الأنين، ثم رؤية ملك الموت.
فكأن أهلك قد دعوك فلم تسمع وأنت محشرج الصدر وكأنهم قد وضعوك على ظهر السرير وأنت لا تدري وكأنهم قد زودوك بما يتزود الهلكى من العطر يا ليت شعري كيف أنت إذا غسلت بالكافور والسدر يا ليت شعري كيف أنت على نبش الضريح وظلمة القبر يا ليت شعري ما تقول إذا وضع الكتاب صبيحة الحشر