السبب الأول: الرضا بالله رباً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً)، ومعنى: الرضا بالله رباً: أن ترضى بالله عز وجل وكيلاً مدبراً ولياً ناصراً، وأن تبغض إلى نفسك عبادة كل شيء سوى الله عز وجل، وأن يكون الله عز وجل أولى الأشياء عندك بالتعظيم، وأن تكون محبة الله عز وجل سابقة لكل محبة، وأن تكون كل محبة للبشر محبة إضافية ومحبة الله عز وجل محبة ذاتية، ولذلك عندما أمر المولى عز وجل سيدنا إبراهيم بذبح ابنه هم بالذبح؛ لأنه لا يحب إسماعيل ابنه لذات إسماعيل، وإنما يحبه لأن الله عز وجل أمره بحبه، فإذا دعاه الله تبارك وتعالى إلى ذبح ولده هم بذلك وسارع.
فهذه غاية المحبة، وهي أن تكون محبة الله عز وجل هي المحبة الذاتية الأصلية، وكل محبة تابعة لها، وأن تقهر محبة الله عز وجل كل محبة، قال تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:٢٤].
فلابد أن تكون محبة الله عز وجل أولى من كل محبة، سابقة لكل محبة، قاهرة لكل محبة:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}[البقرة:١٦٥]، وهذا عين الرضا بالله.
وأما الرضا عن الله: فهو الرضا بقضاء الله عز وجل وقدره، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(لن يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه).
والرضا بالله رباً أفضل من الرضا عنه رباً؛ لأن الرضا بالله رباً متعلق بأسماء الله عز وجل وبصفاته، وأما الرضا عن الله عز وجل فهو متعلق بثواب الله عز وجل، فالرضا بالله رباً فرض آكد على القلوب، وأما الرضا عن الله عز وجل فاختلف العلماء فيه هل هو واجب أم مستحب على قولين، كما أن الرضا عن الله رباً لازم للرضا بالله رباً.