[معنى قوله تعالى: (والنجم إذا هوى)]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه وسنتهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وجده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام:١٣٤].
ثم أما بعد: فهذه وقفات مع سورة النجم.
وسورة النجم لها ثلاثة أسماء، ومنها: سورة (النجم) بدون الواو، كما هو ثابت في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد بها وسجد المشركون).
وتسمى: سورة (والنجم) كما ترجم لها الإمام البخاري في صحيحه في كتاب التفسير، وكما ترجم لها الإمام الترمذي.
وتسمى سورة: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم:١]، كما جاء في حديث زيد بن ثابت في الصحيحين.
وهذه السورة أول سورة يعرضها النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، كما قال ابن مسعود فهي مكية بإجماع علماء التفسير وأهل التأويل.
ونسب بعضهم عن ابن عباس -وهذا القول ضعيف- أن السورة كلها مكية إلا آية: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:٣٢].
أما القول المنسوب للحسن البصري أنها مدنية فهذا قول شاذ.
وهذه السورة رقمها ٢٣ في ترتيب النزول، وقد نزلت بعد سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١]، وقبل سورة عبس.
قال الله تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم:١ - ١٤].
قوله: (والنجم) يقسم الله تبارك وتعالى بالنجم، فما المراد بالنجم؟ هناك لأهل التأويل أقاويل عدة، القول الأول: أن المقصود بالنجم هنا الثريا، والثريا ستة أنجم كانت تعرفها العرب، ذكر ابن قتيبة وابن وهب هذا القول عن ابن عباس، وهو منسوب إلى مجاهد بن جبر من رواية ابن أبي نجيم، وهو قول سيدنا سفيان الثوري، وانتصر له العلامة ابن جرير.
القول الثاني: أن المراد به النجوم، وهذا أمر جائز، وهو أن يذكر الفرد ويراد به الجميع، مثل قول الله تبارك وتعالى عن أهل الجنة: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان:٧٥] والجنة ليست غرفة واحدة؛ لأن أولئك يجزون الغرف بما صبروا، وهذا من إطلاق الفرد وإرادة الجمع، فهنا يقسم الله عز وجل بالنجوم كاملة.
وعلماء الفلك من المسلمين أو من غير المسلمين يقولون: إن في السماء مجرات يصل عددها إلى مائة ألف مليون مجرة، والمجرة عدد نجومها مائة ألف مليون نجم، فاضرب مائة ألف مليون مجرة في مائة ألف مليون نجم، وانظر كم سيكون عدد النجوم في السماء.
والمسافة بين النجوم تقاس بمقياس يسمى: (بارسك)، والبارسك يساوي ١٩٢ وأمامها ضع ١١ صفر، ولا أدري كيف ينطق بها، هذه وحدة قياس المسافات بين النجوم، وهناك وحدة قياس أخرى وهي السنة الضوئية، وهي عبارة عن تسعة بليون كيلو متر، فبعد الشمس عن الأرض (٥.
٨) دقيقة ضوئية.
أما الشعرى: {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} [النجم:٤٩] قالوا: إنها تبعد عن الأرض بمقدار (٣٠٠) سنة ضوئية، يعني: (٣٠٠) اضربها في ٩ بليون كيلو متر.
وقالوا: إن مجرتنا التي تقع فيها الأرض نصف قطرها (٥٠٠٠٠) سنة ضوئية، ولهذه المجرة توابع منها السدوم، وهي المواد الأولية في تكوين النجوم، وهي تبعد عن مركز المجرة (١٠٠٠٠٠) سنة ضوئية {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة:٧٥ - ٧٦].
وهذه النجوم تسير في أبراج وفي مدارات وتخضع لله عز وجل وأنت لا تخضع يا ابن آدم، ومن النجوم الشمس، وهي تعطي ثلاثمائة مليون شمعة، ومن النجوم ما يعطي في اليوم الواحد مثلما تعطي الشمس في سنة كاملة، ولكن لبعدها السحيق عنا يجعلنا لا نشعر بها، وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى بنا، فمن أنت؟! فذل واخضع لمولاك ورب عليم بذات الصدور يدين لعزته الكابر يدين له النجم في سفحه يدين له الفلك الدائر تدين له الأسد في غابها وظبي الفلا الشارد النافر تدين البحار وحيتانها وماء سحاباتها القاطر تدين النجاد تدين الوهاد يدين له البر والفاجر القول الثالث في معنى النجم: أنه آيات وسور القرآن التي أنزلت مفرقة على قلب نبينا صلى الله عليه وسلم.
فإن العرب تطلق على الشيء المفرق اسم النجم، تقول: أسدد لك الدين الذي لك علي على نجم كذا؛ لأنهم كانوا يسددون الديون على نجوم، أي: في أوقات ظهور النجم أو اختفائه، فأطلق بعد ذلك على شيء مفرق يقال له نجم.
فالله عز وجل يقسم بآيات القرآن وسوره التي أنزلت منجمة على قلب نبينا صلى الله عليه وسلم تدل على صدق الرسالة.
{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم:١] إذا قلت: إنه الثريا يكون المعنى: إذا غاب نجم الثريا أو إذا غابت النجوم، وإذا قلت: إنه الرجوع من رجم الشياطين يكون المعنى: عند هويها لسحق الشياطين.
وإذا قلت: إنه الآيات يكون المعنى: إذا هوى، أي: إذا نزل.