ومحبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم كانت عجيبة.
فهذه امرأة يقتل زوجها وابنها وأبوها في الحرب فتقول: فما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون لها: هو بخير، فتقول: أروني أنظر إليه، فلما رأته قالت: يا رسول الله! كل مصيبة دونك جلل.
تعني: صغيرة؛ لأن الجلل من ألفاظ الأضداد، فتستخدم للشيء التافه والشيء الضخم العظيم، فكل مصيبة دونك جلل أو كل مصيبة بعدك جلل.
وما أحب أصحاب رجل هذا الرجل مثل ما أحب الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهم أخبار عجيبة في حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم أو للآثار التي تركها النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا العباس بن المطلب كان له ميزاب على طريق فكان ينزل منه الماء إلى الطريق، فقال له عمر بن الخطاب: اخلعه، قال: والله لقد وضعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، فقال: والله لتطأن على رقبتي ولتردنه مكانه.
ولما أصيب النبي صلى الله عليه وسلم في وجنتيه لما ضربه عبد الله بن قمئة فدخلت حلقة المغفر في وجنتيه استحلف أبو عبيده بن الجراح أمين هذه الأمة النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعهما هو، ثم قال: أنزعها بأسناني، فيشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا، فجعل ينزعهما بشفتيه؛ حتى لا يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، فسقطت من أجل ذلك ثنيته، فكان أهتم بين المسلمين.
وسيدنا طلحة بن عبيد الله أصيب بالعرج في غزوة أحد من كثرة ما أصابه من الطعن وضربات الرمح أو السيوف أو السهام، ثم قعد للنبي صلى الله عليه وسلم ليصعد على ظهره، وتكلف أن يمشي صحيحاً؛ حتى لا يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، فأصلح الله عرجته.
ونحن ندعي حب النبي صلى الله عليه وسلم ونترك سيرته وأخلاقه، وإنما بمجرد الأقوال فقط إن عرفناه، أما السيرة والأخلاق ومعايشته للناس ووضعه في بيته ومعاونته للناس فنحن أبعد ما نكون عنها، فالتطبيق العملي أن تكون موافقاً للنبي صلى الله عليه وسلم في سنته التقريرية والقولية والفعلية، وتنظر إلى حياته وإلى سيرته.