للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة الإمام الأوزاعي مع السفاح العباسي]

ومن الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر إمام أهل الشام الإمام الأوزاعي، سيد حمص وبيروت.

قال عنه الإمام الذهبي: قام إلى أبي العباس محمد بن علي، وكان ملكاً سفاكاً للدماء ظالماً غشوماً، قتل في صبيحة اليوم الذي دعا فيه الأوزاعي مائة وسبعين رجلاً من رجال بني أمية وأمرائها.

قال الأوزاعي: والله لئن تكلم معي لأسلقنه؛ واستبسلت للموت فجعلت أتخطى رقاب بني أمية المذبوحة أمامي حتى وصلت إليه، فقال له أبو العباس السفاح: ما جئنا من بغداد إلى دمشق إلا هجرة في سبيل الله، فقال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت هجرته لله ورسوله فهجرته لله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) يعني: الله أعلم بنيتك، قال: فجعل ينكت بالخيزرانة والرجال أمامه شاهرون سيوفهم، قال: ما تقول في دماء بني أمية؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة).

فجعل ينكت بالسيف نكتاً أشد من الأول، قال: فما تقول في أموال بني أمية؟ قال: إن كانت حلالاً لهم فهي حرام عليكم، وإن كانت حراماً عليهم فهي أيضاً حرام عليكم.

ثم قال: أقاربك وأهلك كانوا أعلم بذلك منك، ولم يولوني القضاء، وإن لي حرماً وأهلاً هم في حاجة إلي، ثم قال لي: اخرج فخرجت، فوالله ما أخطوا خطوة إلا وأتوقع أن تقطع فيها رقبتي، فلما وصل إلى بيروت إذا بالرسول يسأل عنه، فقال الأوزاعي: كأن الرجل قد ظن في ظناً، أي: رجع مرة ثانية لكي يقتلني، فقال الرسول: قد بعث إليك بمائتي دينار، ففرقها في اليتامى والأرامل والمساكين.

ولذلك لما مات الإمام الأوزاعي وقف والي حمص على قبره فقال: يرحمك الله يا أبا عمرو، والله لقد كنت أهابك أعظم من الذي ولآني، فمن يظلم بعدك فليصبر.

وروى الإمام عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب السنة: أن الأوزاعي قال: رأيت فيما يرى النائم كأن ملكين عرجا بي حتى أوقفاني بين يدي رب العزة، فقال لي: أنت عبدي عبد الرحمن الذي يأمر بالمعروف؟ قلت: أنت ربي وأنت أعلم بذلك، قال: ثم هبط بي مرة ثانية.

وهذه كرامة ثابتة للإمام الأوزاعي، وهي رؤيته لله تبارك وتعالى مناماً، وهذا جائز في عقيدة أهل السنة والجماعة.