للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين المؤمن والفاجر في القرب من الله]

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

ثم أما بعد: فهذا مع الله عز وجل، وذاك مع الشياطين هذا في معية الله الخاصة وهذا تتنزل عليه الشياطين!! هذا تتنزل عليه الملائكة تثبته، وربما تسلم عليه، مثلما فعلت مع عمران بن حصين لما صبر على أذى المرض قال: إن الملائكة لتسلم علي.

وكما قال الصحابة: إن السكينة تنطق على لسان عمر، أي: إن الملائكة تنطق على لسان عمر.

أي حال حال هذا الذي يفر الشيطان من وجهه؛ (ما رآك الشيطان في طريق يا ابن الخطاب إلا وسلك سبيلاً غيره).

فاروق الإسلام، سمي الفاروق لأنه فرق بين الحق والباطل.

من وجد الله فماذا فقد؟ ومن فقد الله فماذا وجد؟!! من كان مع الله فإن الله يدافع عنه: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:٣٨].

ويصلي عليه: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب:٤٣] صلاة الله ثناؤه على العبد، فماذا تريد بعد ذلك؟! كفاك جزاء على الطاعة أن رضي منك أن يستغفر لك حملة العرش ما تساوي الأرض ومن عليها حتى يستغفر حملة العرش لعابد؟! يستغفر لك الأنبياء قبل مجيئك إلى دار الدنيا نوح عليه السلام أول نبي أرسل يقول: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح:٢٨] إذاً: دخلت في الجملة، بل يقيم الله عز وجل رسوله ليستغفر لك قبل مجيئك إلى الدنيا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:١٩].

فلو حسبت عملك كله في دار الدنيا مدة سبع سنوات وتخرج منه مكالمة الهاتف والموبايلات والأكل والشرب والذهاب إلى العمل وحصرت العبادة المحضة مدة سبع سنوات لوجدت أنها لا تساوي شيئاً؛ لكن ينمي الله عز وجل هذا العمل القليل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة - مليون حسنة - ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفعه ألف ألف درجة في الجنة، وبنى له بيتاً في الجنة) قولوا للناس هذا حببوا إلى الناس الإيمان والعمل الصالح ذكروهم بفضل الله يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:١٠] يعني: يقتلون أولياءه، ثم يدعوهم بعد ذلك إلى التوبة، وهذه حاله مع من أعرض عنه مع من فتن أولياءه ثم تاب فكيف حاله مع من بقي مع الله عز وجل؟! والآخر يقول عنه المولى عز وجل: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:٢٧٩] رجل في سلم مع الله عز وجل سلام العقل والضمير والأسرة والمجتمع سلم مع الكون سلم مع الحياة وآخر في حرب مع الله عز وجل! هذا يسلم المولى عز وجل عليه: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات:٧٨] {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الصافات:١٠٩] والآخر يقول فيه المولى عز وجل: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} [هود:٩٩].

هانوا عليه فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم، إنهم وأن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم.

هؤلاء مولاهم الله عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:١١].

هذا تفرح الأرض به، وتشتاق لمشيه عليها، وهذا تشمئز الأرض منه تلعنه حشرات الأرض وهوامها ينادي الجبل باسمه: هل مر بك ذاكر لله عز وجل؟ فإن قال: نعم، قال: أبشر بخير يوم طلع عليك.

{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ} [الدخان:٢٩] هذا في شأن العاصي أو الكافر، أما المؤمن فإن الأرض تبكي عليه عند موته، تبكي غدوه ورواحه إلى المسجد، ومصعد عمله من السماء! فما ظنك بنهار هذا ونهار ذاك، وليل هذا وليل ذاك، وسماء هذا وسماء ذاك، وعلم هذا وعلم ذاك، ونوم هذا ونوم ذاك، وثوب هذا وثوب ذاك؟! يعني: حتى لو لم يكن الثوب ملبوساً، فستجد هذا الثوب جلباباً أبيض وطاقية فيها مسك وسواك، وثوب العاصي فيه ضنك، فهذا الثوب يعرف وإن لم يكن ملبوساً، فما ظنك بكل لحظة من لحظات حياته، فهذا في جحيم وهذا في نعيم! انظر إلى قلب هذا وقلب ذاك طمأنينة هذا القلب وريبة هذا القلب سلامة هذا القلب ومرض هذا القلب خشوع هذا القلب وكبر ذاك القلب تقوى هذا القلب وزيغ هذا القلب لين هذا القلب وقسوة هذا القلب وجل هذا القلب وغيظ ذاك القلب! هذا القلب المنيب الصالح، وذاك القلب اللاهي والمغمور في المنكر، طول عمله في استحسان القبائح والركون إلى الظلمة قبول الفتن واطراح الحياء من الخلق والجرأة على الخالق والشح والإعجاب والوهن والاستكانة للعدو والاشمئزاز القلب والصد والشذوذ كل هذا بعد عن الله! يقول الله في الحديث القدسي: (من تقرب إلي شبراً تقربت منه ذارعاً، ومن تقرب إلي ذارعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة) ومن أتاني هرولة؟! سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم، (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها) هذا في الجوارح فكيف بمن تقرب إلى الله عز وجل بروحه وقلبه؟! قال ابن القيم: وهذه منازل في القرب لا تحيط بها العقول وتكفي الإشارة إليها فقط: ما زلت أنزل من ودادك منزلاً تتحير الألباب دون نزوله ما معنى: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها) وقوله: (من أتاني يمشي أتيته هرولة)، إذاً يأتيه المولى عز وجل كيف؟!! منازل في القرب لا تحيط بها العقول، وهذه منازل في الجفوة والإعراض ووحشة القلب لا يحيط بها شيء.