قال تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[القصص:٧]، والأم إذا خافت على ولدها تضمه إلى صدرها، فما بال أم موسى وهي تعلم أن فرعون وملأه يبحثون عن رضيعها -لبلاهة فكرهم وتفاهة عقولهم- ويجندون جنودهم للبحث عنه فتلقيه إلى البحر؟ فسبحان من قال لها: فإذا خفت عليه فبدلاً من أن ترضعيه وتضميه إلى صدرك ألقيه في اليم، فهناك رحمة الله عز وجل.
وسبحان من جعل من موج البحر مستراحاً ومأمناً ومناماً لموسى عليه السلام، وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم عليه السلام.
ويتهادى التابوت ليصل إلى قصر غريمه فرعون وإلى فم التنين بدون حراسة، ولكنها إرادة الله وعنايته أن يصل إلى تحت القصر، وإنما يؤتى الحذر من مأمنه، فأوتي فرعون من قبل زوجه التي تبيت معه في مخدعه، وبهرها الجمال الموسوي الذي قال فيه الله عز وجل:{وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}[طه:٣٩]، فقالت:{لا تَقْتُلُوهُ}[القصص:٩]، وبهذا حفظ موسى عليه السلام كما حفظ يوسف عليه السلام لما أصبح أجيراً، قال الله عز وجل:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ}[يوسف:٢١]، فكانت بداية التمكين وهو أجير، وكيف يكون التمكين وهو أجير؟ ولكن مضى وعد الله عز وجل بذلك؛ وهذه مشيئة الله عز وجل ومكره عز وجل لأحبابه.
وانظر كم قتل فرعون من أجل موسى عليه السلام، ومع ذلك فكأن لسان القدر يقول له: لا نربيه إلا في حجرك.