للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ألم نجعل له عينين)]

يقول الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:٨ - ١٠].

سبحان من أنطق بلحم، وأسمع بشحم، ولا يقدر على ذلك إلا الله تبارك وتعالى.

فقوله تعالى: ((أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ)) فهذه النعمة لا تستطيع أن تكافئها بسجود دائم إلى يوم القيامة، ولا تدرك عظمتها إلا إذا سلبها الله تبارك وتعالى عنك.

قال الجنيد لابن أخته وهو طفل ابن سبع سنوات: ما أقل الشكر يا غلام؟ قال: ألَّا تعص الله بنعمه.

فالله تبارك وتعالى أعطاك نعمة العينين، فإذا أردت أن تعصيه ولا تغض البصر، فاعمل لك بصراً عند أحد النجارين واعص به ما شئت، ولكن لا تعص الله بنعمه، فإن هذا يدل على قلة الحياء، وهو أن تستخدم هذه النعمة في الشيء المقابل.

وقوله تعالى: {وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} [البلد:٩]، فالعرب قبل نزول القرآن الكريم كانت تسمي الكلمة بنت شفه، يعني: أنها تخرج من بين الشفتين، ولكن الأسلوب القرآني: ((وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ)) أي: إياك من اللسان، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (عليك بطول الصمت، وحسن الخلق، فوالذي نفسي بيده ما تجملت الخلائق بمثلهما).

وابن دقيق العيد يقول: والله منذ أربعين سنة ما تكلمت كلمة إلا وأعددت لها جواباً بين يدي الله تبارك وتعالى.

فالعينان واللسان والشفتان تشهد على الإنسان يوم القيامة، {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت:٢١]، ويقول الله تبارك وتعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:٦٥].

وقوله تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:١٠] النجد: هو المكان المرتفع، ومنه سميت نجد نجداً؛ لأنها مرتفعة على تهامة، فسمى الله تبارك وتعالى طريق الحق بأنه نجد وعر، وسمى طريق الشر أيضاً بأنه وعر، يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:٣] أي: بينا له طريق الخير، وبينا له طريق الشر.

إذاً: فمعنى هديناه النجدين: وضحنا له طريق الحق وطريق الضلالة، وطريق الحق وعر باعتبار البداية، ولذلك يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره).

وطريق الشر وعر باعتبار النهاية؛ لأنه يؤدي بك إلى النار، والإنسان في البداية يريد السرقة من أجل حصول المال ويريد الزنا وغير ذلك، فطريق الشر حلو باعتبار البداية، ولكنه وعر باعتبار النهاية، فتفنى اللذات ويبقى أثرها؟ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وحفت النار بالشهوات).