ثم إذا أتى إلى ملك الملوك الذي نساه ونسى شرعه في دار الدنيا كيف يكون حاله؟! إنهم يكونون منكسي الرءوس أمام مولاهم، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ}[السجدة:١٢] وهم سود الوجوه، يقول الله تبارك وتعالى:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}[الزمر:٦٠]، ويعرضون على الله عز وجل فيحتقرهم الأشهاد:{أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود:١٨]، {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ}[القيامة:٢٤] أي: عابسة كالحة، تعلوها الظلمة، ويعلوها الغبار، كما قال الله عز وجل:{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ}[عبس:٤٠ - ٤٢].
ويودون أن يباعد الله عز وجل بينهم وبين أعمالهم السيئة، فيقولون:{يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف:٤٩].
ويقول ابن آدم يوم القيامة: رب! ألم تجرني من الظلم؟ يقول: بلى، يقول: فإني لا أجيز علي شاهداً إلا مني، فيقول له الله عز وجل:{كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء:١٤]، وكفى بالكرام الكاتبين عليك شهوداً، ثم يختم على فيه، وتؤمر أعضاؤه فتنطق عليه بما قدم، ويكون فخذه أول ما ينطق عليه، قال الله عز وجل:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ}[يس:٦٥ - ٦٧].
وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم، فيحمل الرجل سيئاته على ظهره، فيطوق ما بخل به من أموال يوم القيامة إلى سبع أرضين، وهو مذموم مدحور مرذول عند الله عز وجل، ويصبحهم الخزي والعار، يقول الله عز وجل:{سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ}[الأنعام:١٢٤]، فماذا بعد هذا الذل؟! ثم بعد ذلك يتمنى الموت يقول:{يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}[الحاقة:٢٧]، ويقول الله عز وجل:{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ}[الحاقة:٢٥ - ٣٢].