[سنة الله تعالى في اتباع هداه والإعراض عنه]
وهناك قانون يسمى قانون الهدى والضلال، يقول الله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة:٣٣] فالهدى هو دين الإسلام: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [البقرة:١٢٠].
ومن يترك هدى الله يتركه الله تبارك وتعالى وما اختاره، يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:١١٥].
فقوله: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء:١١٥] أي: نتركه وما اختاره لنفسه، ونكله إلى ما توكل عليه؛ لأن الله تعالى يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:٣٢] فيتركه الله تبارك وتعالى للشياطين، ولكنه ينذره عذابه، يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [البقرة:١٢٠] فالمخاطب بهذه الآية النبي صلى الله عليه وسلم والمأمور بها الأمة، قال العلماء: الخطاب مع الرسول والأمر لأمته، وهذا قول العلامة ابن كثير، مثل قوله تبارك وتعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:١٤٥] فالخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد: أمته.
فمن سنن الله تبارك وتعالى أن من يتبع هدى الله تبارك وتعالى لا يخاف ولا يحزن، لا يحزن على ما فات ولا يخاف من الآتي؛ لأنه يرضى بقضاء الله تبارك وتعالى، ويعلم أن سبيل الهدى يكسبه الخيرات والدرجات عند الله تبارك وتعالى، فالله تبارك وتعالى يعد من اتبع هداه وسنته بسعادة الدنيا والآخرة، يقول الله تبارك وتعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:١٢٣] قال ابن عباس: تكفّل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، هذه سنة من سنن الله في الكون.
وقد يقول قائل: أنا أقرأ القرآن وأعمل بما فيه، لكنني أشعر بضيق، نقول: من سنن الله تبارك وتعالى أنك لو قرأت القرآن وعملت بما فيه لا يضلك الله في الدارين، ولا يجعل الشقاء يعرف طريقاً إلى قلبك؛ لأن مفاهيمك للحياة ستتغير، فإذا فهمت القرآن وعملت بالذي فيه، وأصابك ضيق في الرزق فإنك ستصبر وتعلم أن هذا قضاء الله وقدره، قال تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣١ - ١٣٢] فطالما أنك مع القرآن فالعاقبة والخير لك، إذاً: لا يوجد شقاء.
ولو رأيت أخاً يقول لك: أنا حامل لكتاب الله، لكنني أشعر كأن صدري يصعّد في السماء، فقل له: لقد أخطأت الطريق، ما هكذا يا سعد تورد الإبل، يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:١٢٤ - ١٢٦]؛ فأقسم بأسماء الله تبارك وتعالى أن الذي يُعرض عن طريق الله ولا يريد أن يطبّق حكم الله تبارك وتعالى أن حياته كلها نكد، وإن فعل وفعل، وإن أظهر أنه سعيد في حياته، كما قال الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يُذل من عصاه! فأنت في نعمة! ومن النعمة أن تدخل المسجد وليس معك حرس لا من أمامك ولا من خلفك، ومن النعمة أن تمشي في الشارع في الوقت الذي تريد وفي المكان الذي تريد، فإن رئيس أي دولة يقول: أنا المعتقل الوحيد في هذا البلد؛ لأني لا أستطيع أن أمشي دقيقة واحدة بدون حرس، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس المحبوس من حبس عن ربه، وإنما المحبوس من حبسه هواه، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:١٢٤ - ١٢٦] وهذه سنة من سنن الله تبارك وتعالى في الكون فمن سنة الله تبارك وتعالى في الكون: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧] يقول ابن القيم: إن شيخ الإسلام ابن تيمية كان من أفقر الناس، فكُنا إذا ضاقت بنا الدنيا فما هي إلا أن نجلس إليه برهة فنقوم وقد نفضنا عنا الدنيا بأكملها؛ فالذي يعمل عملاً صالحاً لا بد أن يرزقه الله تبارك وتعالى حلاوة هذا العمل، فيحس بشوق إلى الله تبارك وتعالى وإلى الدار الآخرة، فالمؤمن يصاحب الناس ببدنه وروحه معلقة بالملأ الأعلى، هذه هي الحياة الطيبة.
ومن أعرض عن ذكر الله تبارك وتعالى يقيض له الله شيطاناً فهو له قرين.
ومن الناس من يعمل مع الجن، واعلم أنه لا يوجد جني مسلم يخدم ساحراً أو كاهناً أو يؤذي الآخرين؛ يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:٣٦ - ٣٩].
فأهل المصائب يشتركون في مصيبة واحدة ويخفف عن أحدهم بعض مصابه عندما ينظر إلى مصيبة غيره؛ ولكن هؤلاء لا ينفع بعضهم بعضاً وهم في النار، ولا يوافي بعضهم بعضاً؛ يقول الله تبارك وتعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس:٥٩] أي: تفرقوا أيها المجرمون.
وإن كان للعبد المؤمن في الجنة خلان يجتمع بهم وأصدقاء، فإنه يتقابل مع إخوته على الأرائك، أما أهل النار فيقول عنهم الله تبارك وتعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ} [يس:٥٩] يعني: انفصلوا فلا اجتماع بينكم، وإنما يُحبس كل منهم في تابوت من النار وآخر الأمر لا يَرى ولا يُرى، بل يقيّض الله له شيطاناً سواء أكان الشيطان من الشرق أم من الغرب، فالكل شياطين، يقول الشاعر: روسية ماذا جنيتم بعدها غير الجنون يقول: هذا كاسترو ولينين وإستالين وماركس وغيرهم، وبعد أن انتهت روسيا والاشتراكية قالوا: نذهب إلى أمريكا! روسية ماذا جنيتم بعدها غير الجنون ماذا جنيتم واسألوا سينا وأطراف الحدود أو فلتكن غربية تعطيكم شهد العهود فليعطكم متران نصراً في الجرائد من بنود نحن يا مقداد أوفى بالعقيدة بالعهود بالعقيدة سوف نمضي إخوة حتى نعود