آخر من يدخل الجنة وآخر من يخرج من النار -ولا يخرج منها إلا حبواً كما جاء في الحديث الصحيح- هذا الرجل الذي ينسيه الخوف من النار أن يسأل المولى عز وجل الجنة، يقول: يا رب! -كما جاء في الحديث الصحيح- اصرف وجهي عن النار لا أسألك شيئاً غير ذلك.
فيأخذ الله تبارك وتعالى عليه العهد والميثاق ألا يسأله شيئاً غير أن يصرف وجهه عن النار، ثم يمثل له شجرة ذات ظل، فيقول: يا رب! قربني من هذه الشجرة أكن في ظلها، يقول: ما أغدرك يا ابن آدم، ألم آخذ عليك العهد والميثاق ألا تسألني شيئاً غير ذلك؟! يقول: يا رب! لا تجعلني أشقى خلقك.
ثم يمثل له شجرة ذات ظل وثمر، يقول: يا رب! قربني من هذه الشجرة أكن في ظلها وآكل من ثمرها، فيقربه، ثم يمثل له شجرة ذات ظل وثمر وماء -يعني: تحتها نبع ماء- فيقول: يا رب! قربني من هذه الشجرة أكن في ظلها وآكل من ثمرها، ثم يرى باب الجنة ويشم رائحتها، وإن رائحة الجنة لتشم من على مسيرة خمسمائة عام، كما جاء في الحديث الصحيح.
فإذا دخل الجنة يقول: هذا لي وهذا لي، وهذا لي، وهذا لي، ثم تنقطع به الأماني؛ لأنه رآى ما لا قبل لعينه به، ورأى أشياء لا يعرفها، فتنقطع به الأماني، فيقول له المولى عز وجل: تمن من كذا، وتمن من كذا، وتمن من كذا، ثم يقول المولى عز وجل: ولك عشرة أمثال الدنيا من يوم خلقتها حتى أفنيها، هذا آخر من يدخل الجنة! وفي الحديث الصحيح الذي صححه الحافظ ابن حجر والإمام المنذري وغيرهما من أهل العلم في كتاب السنة للإمام عبد الله بن الإمام أحمد قال:(ثم يمثل له قصر من در أبيض فيسجد، فيقال: مه، ارفع رأسك، يقول: كأنما رأيت ربي، أو كأنما تراءى لي ربي، فيقال: إنما هذا قصر من قصورك، ثم يمشي فيرى رجلاً من أهل الجنة فيهم بالسجود، فيقال: مه، ارفع رأسك، يقول: كأنك ملك، يقول: إنا كهرمانك -يعني: خادمك- وتحت يدي ألف كهرمان على مثل ما أنا عليه) هذا آخر من يدخل الجنة! وينظر إلى وجه زوجته ثم يعرض عنها ويلتفت إليها مرة أخرى فتزيد في عينيه سبعين ضعفاً، ويزيد في عينيها سبعين ضعفاً، ويرى صفحة خده في خدها، وترى صفحة خدها في خده، هذا آخر من يدخل الجنة! هذا نعيم حسي، فما ظنك بالنعيم الروحي: إن داود عليه السلام إذا تلى القرآن في الجنة أنسى أهل الجنة نعيم الجنان، فما ظنك برؤية الملك العلام! إن من النعيم في الجنة أن تمر السحابة من المسك بأهل الجنة فتقول: ماذا أمطركم؟ قال يحيى بن أبي كثير: أشهد الله أن لو أراني هذا الموقف لأمرت السحابة أن تمطر علينا حوراً مزينات.
ومن أنهار الجنة كما قال مجاهد كما روى أبو نعيم في صفة الجنة قال: يخرج أولياء الله عز وجل إلى شواطئ أنهار الجنة، ثم تخرج الحور العين، فإذا أعجب الرجل منهن بواحدة لمسها فتتبعه وتمشي خلفه.
فهذه أنهار تنبت الأبكار لا تنبت الحشائش، لبن لا يحلب من الأبقار، وعسل لا يجنى من الأزهار، وخمر لا يعصر بيد الخمار، كل هذا يجري كالأنهار برحمة العزيز الغفار، قال الله تبارك وتعالى:{وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ}[الواقعة:٣١]، ماء يجري في غير أخدود، سبحان مثبت العقول!! وأنهار تجري في غير أخدود، أمسك الله حافتيها بقباب اللؤلؤ المجوف.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يدنينا من الجنة، وأن يبغض إلينا كل عمل يقربنا من النار.