[فضل عشر ذي الحجة على غيرها من الأيام]
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإن ما قل كفى خير من ما كثر وألهى، و {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام:١٣٤].
ثم أما بعد: اعلم يا أخي! أن الله اختار من الزمان شهوراً طيبة هي أفضل الزمان، وهي الأشهر الحرم، واختار من الأشهر الحرم أفضلها، وهو ذو الحجة، واختار من ذي الحجة أفضله، وهو العشر الأوائل منه، وأقسم الله تبارك وتعالى بهن، والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، قال تعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:١ - ٢].
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة: الليالي العشر هي عشر ذي الحجة.
وهي الأيام المعلومات التي قال الله تبارك وتعالى فيهن: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج:٢٨].
قال ابن عباس: هي عشر ذي الحجة.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأيام لها فضل في ذاتها، بخلاف فضل العمل فيها، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل أيام الدنيا أيام العشر).
قال صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيامكم هذه، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير).
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام - يعني: أيام العشر - قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله؟! قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء).
فالعمل المفضول في هذه الأيام أفضل من العمل الفاضل في غير هذه الأيام، والعمل المفضول وهو الذكر أفضل من الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام.
فالذكر في هذه الأيام من تسبيح وتحميد وتهليل أفضل من الجهاد في سبيل الله، إلا من لون واحد من الجهاد، وهو رجل يخرج بنفسه وماله ثم لا يرجع من ذلك بشيء.
ولذلك كان راوي الحديث سعيد بن جبير يقوم هذه الأيام ويجتهد فيها اجتهاداً لا مزيد عليه، وكان يقول: لا تطفئوا سرجكم هذه الأيام، يعني: أحيوا هذه الأيام، ولا تطفئوا سرجكم فيها، فكانت تعجبه كثرة العبادة.