وكان لـ أبي مسلم الخولاني ثوب يعلقه في المسجد، وكان إذا تعبت قدمه من القيام يضربها بالسوط، ويقول لها: قومي يا مأوى كل سوء! أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه؟ والله لأزاحمنهم عليه حتى يعلموا أنهم خلفوا بعدهم رجالاً! لا تقرنن بذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد نزلوا بمكة في قبائل هاشم ونزلت بالبيداء أبعد منزل ويقول الإمام العلامة ابن رجب الحنبلي: لما سمع القوم قول الله عز وجل: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[البقرة:١٤٨]، وقوله:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[آل عمران:١٣٣] فهموا أن المراد أن يكون كل واحد منهم هو السابق لأخيه إلى بلوغ المنازل العليا من الجنة، فكان تنافسهم في الآخرة حين كان تنافس الناس في الدنيا.
ولذا يقول الحسن البصري: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره.
ويقول بعضهم: إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل.
ويقول أحد العباد: لو أن رجلاً سمع برجل هو أسرع لله منه فمات ذلك الرجل غماً ما كان ذلك بكثير على من يريد أن يرث الفردوس.
قال رجل لـ مالك بن دينار: رأيت فيما يرى النائم أن رجلاً وقف على حلقة مثل حلقاتنا هذه فقال: أيها الناس! الرحيل الرحيل -يعني: إلى الجنة-، فلم يقم إلا محمد بن واسع، فغشي على مالك بن دينار.
وأما عمر بن عبد العزيز رحمه الله فكان يقول: إن لي نفساً تواقة، ما نالت شيئاً من الدنيا إلا واشتاقت إلى ما هو أعلى منه، فلما نالت ما نالت -أي: الخلافة، وهي أجل منصب في الدنيا- اشتاقت إلى ما عند الله عز وجل.
وأتته مولاة له تقول له: يا أمير المؤمنين! رأيت فيما يرى النائم وكأن الصراط قد نصب على جهنم، ورأيت أناساً يتساقطون فيها، ورأيتك يا أمير المؤمنين وقد جيء بك، فلم تتم كلمتها حتى غشي عليه، فجعلت تصيح في أذنه: رأيتك والله قد نجوت، رأيتك والله قد نجوت.