تفسير قوله تعالى: (يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة)
قال الله تعالى: {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد:١٥] أي: يتيماً من أهلك، {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد:١٦] والمسكين هو الفقير.
((ذَا مَتْرَبَةٍ)) يعني: كأنه لصق بالتراب، فلا يوجد لديه شيء.
فقوله تعالى: {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد:١٥] يدل على أن أول شيء هو صلة الأرحام، ثم صلة اليتامى الأقربين، ثم بعد ذلك صلة يتامى المسلمين.
ومراد الله من عباده لين قلوبهم ورقتها، فإذا رق القلب أتى منه كل خير، وإذا قسا القلب أتى منه كل شر، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يدخل أقواماً الجنة أفئدتهم مثل أفئدة الطير).
قال الإمام النووي: في رقتها وفي لينها وفي توكلها على الله تبارك وتعالى.
ومن الأسباب لرقة القلب ما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إذا أردت أن يلين قلبك وتدرك حاجتك -أي حاجة- فامسح رأس اليتيم، واطعمه من طعامك، واسقه من شرابك، يلن قلبك، وتدرك حاجتك).
وعندما يكون الإنسان صالحاً يتكفل الله بأولاده، قال تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف:٨٢]، وقد يمر على أولادك ما يمر على يتامى المسلمين فاتق الله تبارك وتعالى، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم لا يرحم)، والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: (قد غفر الله لبغي -وفي رواية: لمومسة أي: زانية- من بني إسرائيل وجدت كلباً يكاد أن يأكل التراب من شدة العطش، فنزعت موقها -أي: خفها- ثم حملت به الماء حتى سقته، فغفر الله لها).
والله تبارك وتعالى غفر لامرأة زانية؛ لأنها لما وجدت رضيعيها يبكيان أسندتهما إلى صدرها، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله غفر لهذه برحمتها بولديها، وإن الله لا يقدس أمة لا ترحم ضعيفها).
والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)، ومن الذي لا يريد أن يكون قريباً من المصطفى صلى الله عليه وسلم؟! وسيدنا أنس كان يبكي ويقول: (يا رسول الله! إن كنت معنا فرحنا بك، وإن غبت عنا اشتقنا إليك، فتذكرت مقامك في الجنة مع النبيين فآلمني هذا الأمر وشق علي فبكيت، فلما نزل قول الله تبارك وتعالى: {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:٦٩] يقول سيدنا أنس: فوالله ما فرحنا بآية مثل فرحنا بهذه الآية).
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله)، فإذا أردت أن تجاهد في سبيل الله فأد حق اليتامى والمساكين والأرامل.
والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: (كافل اليتيم له أو لغيره معي كهاتين في الجنة).
فيتامى المسلمين كثيرون، ومن أكل طعاماً أو فاكهة وأطفال جاره يتضاغون من الجوع فليس على سنة المصطفى في ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من بات شبعان وجاره جائع).
وسيدنا عمر سجن الحطيئة لأنه كان يشتم الناس، فبعث إليه بيتين من الشعر فبكى سيدنا عمر بسبب هذين البيتين، وعفا عنه، وهما: ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر ألقيت كاسبهم في قاع مظلمة فاغفر عليك سلام الله يا عمر فسيدنا عمر بكى، وهذا من رقة قلبه، لأنه قال في الشعر: زغب الحواصل لا ماء ولا شجر أي: لا يوجد شخص يسأل عليهم.
ولو كل الناس ينفقون على اليتامى فإن الله تعالى يبارك في المال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما قل مال من صدقة)، وقال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:٧].