للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين المؤمن والفاجر في العيش]

كم بين الأولياء والأعداء؟ وهل تستوي الظلمة والضياء، واليقين والتهمة، والوصلة والفرقة، والمعتكف على بساط الأنس، والمنحرف عن الباب، والمتصف بالولاء، والمنحرف عن الوفاء؟ لا يستوي المشغول بهم والمشغول عنهم، والمنقطع إليهم والمحجوب عنهم، لا يستوي من اصطفاه في الأزل ومن ران على قلبه سوء العمل.

أفمن كان في حال القرب يجر أذياله كمن هو في مذلة الفراق يقاسي وباله؟! أفمن كان في روح القربة ونسيم الزلفة كمن هو في هول العقوبة يعاني مشقة الكلفة؟! أفمن هو في روح إقبالهم عليه كمن هو في محنة إعراضهم عنه؟! أفمن بقي مع الله عز وجل كمن رغب عن الله عز وجل؟! أفمن هو في نهار العرفان وضياء الإحسان كمن هو في ليالي الكفران ووحشة العصيان؟! أفمن أيد بنور البرهان وطلعت عليه شموس العرفان كمن اتسم بالخذلان ووسم بالحرمان؟! لا يستويان ولا يلتقيان.

هل يستوي من رسول الله قائده دوماً وآخر هاديه أبو لهب وأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقصت خطى حمالة الخطب فكما لا يجتنى من الشوك العنب، كذلك لا ينزل الله الأبرار منازل الفجار.

هما طريقان: أنت القتيل بكل من أحببته فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي ليس من بات قريراً عينه مثل من أصبح قصراً دارسا ليس من أكرم بالقرب كمن ظل يهذي بلعل وعسى ليس من ألبس أثواب التقى مثل من ألبس ثوباً دنسا ليس من سير به مثل الذي بات يرعى للحمى مبتئسا ليس من شاهد صبحاً واضحاً مثل من شاهد ليلاً غلسا ليس من أشبه غصناً يانعاً مثل من أشبه عوداً يابسا قال الله تبارك وتعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة:١٨].

وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:٢٠ - ٢٢].

وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:٢٨].

وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:٩].

وقال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الزمر:٢٢].

وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ} [غافر:٥٨].

وقال تعالى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:٤٠].

وقال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:١٠٩].

وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:٢٠].

وقال تعالى: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:١٧].

وقال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الرعد:١٩].

وقال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:٣٥ - ٣٦].

وقال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:٢١].

من أخصر القضايا في القرآن الكريم: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، تجد في القرآن أربعمائة وخمسين وجهاً تقريباً للمقارنة بين المقبل على الله عز وجل والمعرض عنه، وهذا يحتاج جمعه لمدة سنتين، فلو أخذنا نقطة واحدة: عيش هذا وعيش هذا، كما قال الله عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧].

وقال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:١٢٤ - ١٢٦].

قال الإمام ابن القيم في الحياة الطيبة: قد فسرت الحياة الطيبة بالقناعة والرضا والرزق الحسن، وغير ذلك والصواب: أنها حياة القلب وسروره، وبهجته ونعيمه، ومعرفة الله ومحبته، والإنابة إليه والتوكل عليه، فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها، ولا نعيم فوق نعيمه إلا نعيم الجنة.

ألم يقل الإمام ابن القيم: مساكين أهل الدنيا! خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أجمل ما فيها: لذة الأنس بالله عز وجل.

ويقول: إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً.

ويقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا العيش إنهم لفي عيش طيب.

ويقول إبراهيم بن أدهم: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف.

إن كنت في سعادة حقاً فلم تحرم غيرك من المسلمين من الدعوة إلى هذه السعادة؟! إن كنت في نعيم الأنس بالله عز وجل فلم لا تصبر على دعوة الناس؟! لو أن معك ألف ملتزم فقط، وصبرت على الدعوة إلى الله عز وجل، وتهذيب من معك بالعلم والعمل والصبر على الدعوة، فكم سيكون معك بعد عشر سنوات؟ لو علمت أن هذا الذي تربيه أنت يدعو إلى الله عز وجل، وينشر ما يتعلمه كم سيكون العدد بعد عشر سنوات؟! لو صبرت بدلاً من التهييج الفارغ سيكون هناك عدد كبير جداً، احصره ثم اسأل نفسك كم ضيعت من السنوات مع الله عز وجل؟ اصبر على الدعوة إلى الله عز وجل، واصطبر لعبادته مثلما صبر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.