للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله تعالى: (ولقد رآه نزلة المنتهى)]

قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:١٣].

(نزلة) يعني: مرة، أي: ولقد رآه مرة أخرى، يقول ابن الجوزي: رأى محمد ربه، وقال ابن مسعود: إن هذه الرؤية لجبريل، رآه على صورته التي خلقه الله تبارك وتعالى عليها، ولقد رآه مرة أخرى في صورته الطبيعية التي خلقه الله عليها، وذلك عند بدء الوحي، والمرة الثانية عند سدرة المنتهى.

{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم:١٣ - ١٤] السدر: هو شجر النبق، وهذه شجرة في السماء السابعة كما في حديث مالك بن صعصعة الموجود في الصحيحين، وفي أفراد مسلم: أن هذه الشجرة موجودة في السماء السادسة، ولا خلاف بين القولين، كما قال الحافظ ابن حجر، قال: ولا يعارض قوله أنها في السماء السادسة ما دلت عليه بقية الأخبار، أنه وصل إليها بعدما دخل السماء السابعة؛ لأن ذلك يحمل على أن أصلها في السماء السادسة، وتمتد فروعها حتى تصل إلى السماء السابعة.

قوله: (سدرة المنتهى) سميت بذلك لأنه ينتهي إليها ما صعد من الأرض، وينتهي إليها أمر الله عز وجل الذي تأخذه الملائكة بعد ذلك، وهذه الشجرة العظيمة تصل ما بين السماء السادسة إلى السماء السابعة، يعني: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (سمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام) إنك إن ذهبت إلى أمام جامعة القاهرة أو إلى مكان آخر تقول: يا إلهي! هذه الأشجار من متى وهي موجودة؟ ارتفاعها قدر كيلو، فما ظنك بهذه الشجرة؟ بل وشجرة أخرى موجودة في الجنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة شجرة تسمى شجرة طوبى، يسير الراكب ذو الجواد المضمر -يعني: الجواد السريع- في ظلها مائة عام، ولا ينتهي ظلها)، نفس الظل مسيرة مائة عام بالجواد السريع، هذا خلق الله عز وجل: من أنت يا أرسطو ومن أفراخ قبلك يا مبلد ومن ابن سينا حين قرر ما هديت له وأرشد هل أنتم إلا الفراش وقد رأى ناراً توهج فدنا فأحرق نفسه ولو اهتدى رشداً لأبعد فلتخسأ الحكماء عن رب له الأفلاك تسجد فالإنسان لا يتصور أبداً، ولا يجول بخاطر ولا يستطيع أن يكيف هذا المخلوق الذي هو سدرة المنتهى، وما عند الله عز وجل أعظم وأجل.

ثم يقول الله تبارك وتعالى: {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم:١٥] أي: عند هذه الشجرة جنة المأوى، وجنة المأوى قال ابن عباس: هي الجنة التي يأوي إليها جبريل والملائكة.

وقال الحسن: هي الجنة التي يصير إليها أهل الجنة، يعني: المأوى هنا علم على الجنة، فالجنة كما قال تبارك وتعالى: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٤٠ - ٤١] فالمأوى: مسمى للجنة كما قال الإمام ابن القيم.