[عودة إلى الماضي المجيد لتذكر أجدادنا]
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تبارك وتعالى يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها) فأين نحن يا إخوتاه من هذه الأمة التي أراد الله تبارك وتعالى لها قيادة البشرية، نحن أمة الصديق، فأين نحن من الصديق الذي سبق -والله- سبقاً بعيداً؟ تقول عنه عائشة: أبي وما أبي! أبي والله لا يعطوه الأبد.
ويقول علي بن المديني: إن الله تبارك وتعالى أعز الإسلام برجلين لا ثالث لهما: أبي بكر يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة.
ويقول ابن مسعود: رضي الله عن أبي بكر لو أطاعنا أبو بكر -أي: في يوم الردة- لكفرنا، قام بأمر الله كله، وقام بدين الله كله.
هذا أبو بكر حالب الشياه للعجائز، والعاجن بيديه خبز الأيتام.
نحن من أمة عمر، هذه النفس الأبية العظيمة، فقد فتحت الفتوحات العظيمة على يده، وما أدراك ما عمر.
فيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر جنودك في سيناء حطوا رحالهم وجندك في حطين صلوا وكبروا وتبكيك من شوق مآذن مكة وتبكيك بدر يا حبيبي وخيبر نحن من أمة عثمان ذي النورين الذي كانت الفتوح في عصره كالماء المنهمر، ومن أمة معاذ بن جبل مقدام العلماء، فعمره يوم مات أربع وثلاثون أو ثمان وعشرون سنة على الرواية الثانية، وهو يسبق العلماء برتوة يوم القيامة.
نحن من أمة أبي عبيدة فاتح القدس، وما أدراك ما أبو عبيدة، صاحب اليرموك، سلوا عنه سهول اليرموك تعلمكم من هو أبو عبيدة أمين هذه الأمة.
نحن من أمة خالد الذي قال عنه أبو بكر: والله لأذهبن وساوس الروم بسيف خالد، نحن من أمة خالد الذي قال له رسول ملك الروم: ارجعوا معاشر العرب وسنعطي لكم الحنطة والشعير، فقال: نحن قوم نحب شرب الدماء، وقد بلغنا أن دماء الروم من أحلى الدماء مذاقاً، فلا نعود إلا بشرب دمائكم.
نحن من أمة أسامة بن زيد الذي دوخ الجيوش وهو ابن عشرين سنة.
ونحن من أمة مصعب بن عمير ذلك الشاب جبل الرحمة فاتح المدينة بالقرآن.
ونحن من أمة محمد بن القاسم الثقفي فاتح السند والهند وعمره سبعة عشر عاماً.
ونحن من أمة محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ونصف.
ونحن من أمة البخاري الذي كتب التاريخ الكبير وهو ابن ثمان عشرة سنة.
ونحن من أمة ابن تيمية الذي أسلم على يديه يهودي وهو مازال صبياً يذهب إلى الكتاب.
ونحن من أمة هارون الرشيد الذي كتب إلى نقفور امبراطور الروم: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، يا ابن الكافرة! الجواب ما ترى دون ما تسمع.
ومن أمتنا خرج المعتصم.
رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم صادفت أسماعنا لكنها لم تصادف نخوة المعتصم نحن من أمة محمود بن سبكتكين فاتح خراسان والهند سنة ٤١٨هـ، ونحن من أمة ألب أرسلان الذي واجه الروم وكان معه عشرون ألف مقاتل، ثم خرج بكفنه، وخرج الجيش كلهم بأكفانهم، وما هي إلا ساعة حتى كان النصر للمسلمين، ووقع أرامنوس في قبضة المسلمين.
يقول ابن النحاس: ونودي على أرامنوس! من يشتري؟! فقال أحد الجنود: لا أشتري الكلب إلا بكلب، فقال ألب أرسلان: أعطوه الكلب، فإن الكلب خير منه، ثم ربطوا عنقه بعنق الكلب، فلما وصل إلى روما سملوا عينيه.
كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا ومن هذه الأمة خرج نور الدين محمود زنكي، فعندما حاصر الفرنجة دمياط أراد أحد طلبة الحديث أن يروي حديثاً عن التبسم، وأرادوا من نور الدين محمود زنكي أن يتبسم، فقال: كيف أبتسم والمسلمون محاصرون؟! نحن من هذه الأمة التي أخرجت صلاح الدين الأيوبي الذي دوخ جيوش الفرنجة ونحن من هذه الأمة التي أخرجت الظاهر بيبرس لما أراد ملك عكا أن يستعرض جيشه أمام رسول بيبرس قال له الرسول: إن أسرى الفرنجة عند بيبرس أكثر من جيشك.
ونحن من أمة سليمان القانوني السلطان العثماني فاتح بلغراد ورودس وبلاد المجر، فأين نحن من هذه الأمة، أين نحن من هذه الأمة؟! قال الشاعر: فيا فلسطين من يهديك أفئدةً ومن يعيد لك البيت الذي خربا تلفتي تجدينا في مبادئنا من يعبد الجنس أو من يعبد الذهبا أنا قبيلة آلام بأكملها ومن دموعي سقيت المزن والسحبا يا من يعاتب مذبوحاً على دمه ونفس شريانه ما أسهل العتبى من جرب الكي لا ينسى مواجعه ومن رأى السم لا يشقى كمن شربا يا شام أين هما عينا معاوية وأين من زاحموا بالمنكب الشهبا فقبر خالد في حمص يلامسه فيرجف القبر من زواره غضبا فرب حي تراب القبر مسكنه ورب ميت على أقدامه انتصبا يا ابن الوليد ألا سيف نؤجره فكل أسيافنا قد أصبحت خشبا أضنت سياط حزيران ظهورهم فأدمنوها وباسوا كف من ضربا وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا متى البنادق كانت تسكن الكتبا وقال الشاعر: بيروت في اليم ماتت قدسنا انتحرت ونحن في العار نسقي وحلنا طينا أي الحكايا ستروى عارنا جلل نحن الهوان وذل القدس يكفينا القدس في القيد تبكي من فوارسها دمع المنابر يشكو للمصلينا قم من ترابك يا ابن العاص في دمنا ثأر طويل لهيب العار يكوينا قم يا بلال وأذن صمتنا عدم كل الذي كان طهراً لم يعد فينا هل من صلاح يعيد السيف في يدنا أو كسروها فقد شلت أيادينا هل من صلاح لشعب هده أمل ما زال رغم عناد الجرح يشفينا جرحي عنيد وجرحي أنت يا وطني جئنا نداويك تأبى أن تداوينا إني أرى القدس في عينيك ساجدة تبكي عليك وأنت الآن تبكينا ما زال في العين طيف القدس يجمعنا لا الحلم مات ولا الأحزان تنسينا أين السودان والأئمة الذين يذبحون في شرق السودان؟ وأين ليبيا؟ وأين المجاعة في الصومال؟ وأين المسجد الأقصى؟ وأين البوسنة والهرسك؟ وأين بلاد المسلمين؟! متى يفيق النائمون؟! شهداؤنا بين المقابر يهمسون والله إنا قادمون في الأرض ترتفع الأيادي تنبت الأصوات في صمت السكون والله إنا راجعون تتساقط الأحجار يرتفع الغبار وتضيء كالشمس العيون والله إنا عائدون شهداؤنا خرجوا من الأكفان وانتفضوا صفوفاً ثم راحوا يصرخون عار عليكم أيها المستسلمون! وطن يباع وأمة تنساق قطعاناً وأنتم نائمون! شهداؤنا فوق المنابر يخطبون قاموا إلى لبنان صلوا في مساجدها وزاروا المسجد الأقصى وطافوا في رحاب القدس واقتحموا السجون في كل شبر من ثرى الوطن المكبل ينبتون من كل أرض من كل ركن من ربوع الأمة الثكلى أراهم يخرجون شهداؤنا وسط المجازر يصرخون: الله أكبر منك يا زمن الجنون الله أكبر منك يا زمن الجنون الله أكبر منك يا زمن الجنون شهداؤنا يتقدمون أصواتهم تعلو على أسوار بيروت الحزينة في الشوارع في المفارق يهدرون إني أراهم في الظلام يحاربون رغم انتصار الضوء في الوطن المكبل بالمهانة والذمامة والمجون.
والله إنا عائدون أكفاننا ستضيء يوماً في رحاب القدس سوف تعود تقتحم المعاقل والحصون شهداؤنا في كل شبر يصرخون: يا أيها المتنطعون كيف ارتضيتم أن ينام الذئب في وسط القطيع وتأمنون؟! وطن بأرض الكون يعرض في المزاد وطغمة البلدان في الوطن الجريح يتاجرون أحياؤنا الموتى على الشاشات في صخب النهاية يذكرون من أذهب الوطن العريق وكبل الأحلام في كل العيون؟ يا أيها المتشرذمون! سنخلص الموتى من الأحياء من سفه العميل العابث المجنون.
والله إنا قادمون شهداؤنا في كل شبر في البلاد يزمجرون جاءوا صفوفاً يسألون يا أيها الأحياء ماذا تفعلون؟! في كل يوم كالقطيع على المذابح تصلبون تتسربون على جناح الليل كالفئران سراً للذئاب تهرولون وتطوف أعينكم على الدولار فوق ربوعه الخضراء يبكي الساجدون صور على الشاشات والناس من ألم الفجيعة يضحكون في صورتين تباع أوطان وتسقط أمة ورءوسكم تحت النعال وتركعون في صورتين تسلم القدس العريقة للذئاب ويسكر المتآمرون شهداؤنا في كل شبر يصرخون بيروت تسبح في الدماء وفوقها التابوت يهذو في جنون بيروت تسألكم: أليس لأرضها حق عليكم؟ أين فر الرافضون؟ وأين غاب البائعون؟ وأين راح الهاربون الصامتون الغافلون الكاذبون؟ صمتوا جميعاً والرصاص الآن يخترق العيون وإذا سألت سمعتهم يتصايحون.
هذا الزمان زمانهم في كل شبر في الورى يتحكمون.
لا تسرعوا في موكب البيع الرخيص فإنكم في كل شيء خاسرون لن يترك الطوفان شيئاً كلكم في اليم يوماً غارقون تجرون خلف الموت والنخاس يجري خلفكم وغداً بأسواق النخاسة تعرضون لن يرحم التاريخ يوماً من يفرط أو يخون كهاننا يترنحون فوق الكراسي هائمون متى يفيق النائمون؟ متى يفيق النائمون؟ يا إخوتاه! كل يوم لا يعصى الله فيه فهو يوم عيد، والعاقل يفرح لسيده ومولاه، والغافل يفرح بلهوه وشيطانه وهواه.
ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعاته تزيد.
بك يا الله نستنصر فانصرنا، وعليك نتوكل فلا تكلنا، وإياك نسأل فلا تحرمنا، وإلى جنابك نقترب فلا تبعدنا، وببابك نقف فلا تطردنا.
رب اجعلنا لك ذكارين، لك شكارين، إليك أواهين مخبتين منيبين، تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، واسلل سخائم صدورنا.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
اللهم ائذن لشريعتك أن تحكم الأرض وأن تسود، اللهم ائذن لشريع