[من مظاهر الرحمة]
من مظاهر الرحمة: رحمة الحيوان، وقد كان هناك في دولة الإسلام وقف للكلاب الضالة ينفق منه على الكلاب التي ليس لها صاحب، رحمة بها.
وكان هناك أيضاً وقف في بعض البلدان الإسلامية وخاصة في المغرب يطلق عليه مؤنس الوحشان، وذلك أن الرجل الغريب إذا نزل بأرض أتاه رجل يسامره ويزيل عنه وحشة الغربة ويأخذ من هذا الوقف.
ومن مظاهر الرحمة: بر الوالدين، فأنت تحب أولادك طبعاً فأحبب والديك شرعاً، وارع أصلاً ينبت لك فرعاً، وتذكر خصيب المرعى أولاً وأخيراً: {وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:٢٤]، كم من ليلة باتا معك إلى الفجر يداريانك مداراة العاشق في الهجر، والله! إنهما لن يرضيا لك غير الكف والحجر سريراً، {وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:٢٤]، حياتهما عندك بقايا شمس، لا تشتاق لقاءهما ويشتاقان إلى لقائك، وإن لقيت منهما أذى شكوت شقاءك، والله! لقد سقياك حلواً وسقيتهما مريراً، {وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:٢٤].
وقال الله تبارك وتعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:٢٣ - ٢٤].
يقول الشاعر: زر والديك وقف على قبريهما فكأنني بك قد نقلت إليهما لو كنت هما وكانا بالبقاء زاراك حبوا ًلا على قدميهما أنسيت عهدهما عشية أسكنا دار البلى وسكنت في داريهما ما كان ذنبهما إليك وإنما منحاك محض الود من نفسيهما كانا إذا ما أبصرا بك علةً جزعا لما تشكو وشق عليهما كانا إذا سمعا أنينك أسبلا دمعيهما أسفاً على خديهما وتمنيا لو صادفا لك راحةً بجميع ما يحويه ملك يديهما فَلَتلْحقنَّهما غداً أو بعده حتماً كما لحقاهما أبويهما ولتندمنَّ على فعالك مثلما ندما هما أيضاً على فعليهما بشراك إن قدمت فعلاً صالحاً وقضيت بعض الحق من حقيهما من مظاهر الرحمة: صلة أهل رحمك، والرحم تأتي يوم القيامة وهي معلقة بقوائم العرش تقول: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني.
ومن مظاهر الرحمة: إكرام اليتيم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين في الجنة)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله عز وجل).
ومن مظاهر الرحمة: العطف على الفقراء والمساكين والخدم، وانظر إلى سالم مولى أبي حذيفة وكان رجلاً صالحاً فزوجه أبو حذيفة من بنت أخيه الحرة القرشية بنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن مظاهر الرحمة: عيادة المرضى، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشيةً إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة).
ومن مظاهر الرحمة أيضاً: التعاطف بين الإخوان والجيران، والشفاعة الحسنة، ولين الجانب للإخوان، قال الله تبارك وتعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:١٥٩]، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب الرفق في الأمر كله).
ومن مظاهر الرحمة: العفو عن المسيء ورحمة النساء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هن عوان عندكم)، يعني: أسيرات عندكم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
ومن مظاهر الرحمة: رحمة الصغار وانظر إلى مداعبة الرسول صلى الله عليه وسلم للطفل الصَّغير أبي عمير يقول عليه الصلاة والسلام: (يا أبا عمير ما فعل النغير).
ومن مظاهر الرحمة أيضاً: رحمة العدو، وانظر إلى رحمة النبي بـ ثمامة بن أثال وقد كان من زعماء الجاهلية ومن صناديد الشرك، فلما رحمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم وحسن إسلامه.